يعرف العسكريون المحنكون أن مآلات أي حرب مباشرة بين طرفين تعتمد أساساً على الميزات النسبية لكل طرف، فلا ميزات مطلقة لأي طرف مهما توفَّر على الغلبة الظاهرة في القوة والمعدات, ذلك أن ساحة الحرب ومآلاتها هي التي تقرر التميز الحقيقي، وبهذا المعنى ينهزم الجيش المُدجج بكمل أنواع الأسلحة في حروب المدن، إذا كانت المُجابهة مع المليشيات الصغيرة والمنتشرة أُفقياً، والتي تعتمد في حركتها على الكر والفر، وقضم أطراف العدو وإرباكه. وقد لاحظ علماء الحروب التاريخية، أن من أسباب الانتصارات الباهرة للمسلمين أثناء الفتوحات، أنهم اعتمدوا على السيف اليماني خفيف الوزن، بالإضافة إلى عقيدتهم القتالية المستمدة من ثقافة الشهادة، فيما كانت أجسادهم النحيلة، وخيولهم غير المثقلة بالسروج الخشبية سبباً آخر في هزيمة الجيوش الرومانية ذات السيوف الثقيلة، والفرسان المكبلين بالأحمال، والخيول التي تئن تحت وطأت السروج والحديد. في الصين استطاع الحزب الشيوعي الصيني هزيمة جيش «الكومنتانج» باعتماده على الفرق الصغيرة التي انتشرت في كل أرجاء الصين، واستطاعت إسقاط جيش الكومنتانج الرسمي من خلال النهش في أطرافه، وإرباك استراتيجياته القائمة على الحرب النظامية، وصولاً إلى تقويضه. ما حدث ويحدث في سوريا يعيد إلى الأذهان تلك المفارقة التي تجعل التميز لغير صالح الجيش النظامي الذي يلجأ إلى دك المدن بالمدفعية والراجمات والطائرات، فيكون بذلك قد أسهم في تعزيز مليشيات الجيش الحر بالمزيد من الدماء، لأن من لم يكونوا ملتحقين بالجيش الحر سيلتحقون به كلما طالتهم النيران الحامية للقوة المنظمة التي لا تفرق بين مقاتل يتمنطق الكلاشينكوف، وذلك المواطن القابع في بيته انتظاراً للفرج. عشت تجربة 13 يناير المشؤومة في عدن عام 1986م ، ورأيت بأُم عيني عجز أسلحة الطيران والبحرية والمدفعية والراجمات عن تحقيق شيء لصالح الطرف الذي كان يعتدُّ بها، فيما حسمت أسلحة الدروع المتوسطة الموقف لصالح الطرف الآخر. تلك عبرة لمن يعتبر، والواضح أن منطق الجيش النظامي السوري سيؤدي به إلى هزيمة مؤكدة، ليُمهد بذلك لسقوط النظام برمته، إن لم تتم تسوية سياسية عاجلة من خلال تفاهم الكبار «أمريكا ومن معها، وروسيا ومن معها». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك