علمانية الطيب أردوغان .. دروس في طريق الإسلاميين من نافلة القول، التأكيد على أن الإسلام فَجَّر ثورة تحرُرية ضد الموروثات الجاهلية والأعراف الظالمة التي كانت تُمارس على المرأة، وقاد حركة تغييرية تهدف إلى احترام وإعطاء المرأة كامل حقوقها؛ لكن قرون الانحطاط سلبت المرأة المسلمة جلَّ الحقوق التي منحها الإسلام إياها، وعادت الأعراف المتعسفة بقوة. فرسخت قرون الانحطاط في نفسية المرأة شعورها بأنها مخلوق ضعيف، عليه أن يعتمد في إثبات شخصيته على غيره، وأنها جنس لطيف لم يخلق إلا للمتعة. ثم جاءت الحضارة المعاصرة منادية بمساواة المرأة بالرجل، هذه المناداة أقلقت الكثير من الإسلاميين، فحبسوا المرأة في التدريس والتعليم وتربية الأطفال وفي أحسن الأحوال طبية نساء، ولم يستطع الإسلاميون تقديم شخصية المرأة إلى مسرح الحياة بمجالاتها المختلفة خوفاً من انفلات الأمور، وانتهاء التحرر من العرف إلى تحرر من الدين. فانشغلت الكثير من الحركات الإسلامية حسب عمر عبيد حسنة بحماية المرأة عن الاشتغال بتنمية شخصيتها. هنا نلمس الفارق كبيراً بين التجربة التركية الإسلامية، وبين الكثير من تجاربنا في العالم العربي، فقد ضمت الهيئة التأسيسة لحزب العدالة والحرية، ما يقرب من 13 امرأة بينهن محجبات، ومنهن مطربة وممثلة وطبيبة ومعلمة، إضافة إلى العديد من الشخصيات التي كانت تشكل التيار المعتدل داخل تجربة حزب الفضيلة المحظور، وفئة أخرى جاءت من أحزاب قومية وعلمانية. فأدركت بعض الحركات الإسلامية _ مثل: الحركة الإسلامية في السودان، وحركة النهضة في تونس _ مساوئ الموقف المتوجس من المرأة، فقررت الابتعاد عنه، ونحت منحى جريئاً ينسجم مع منهج الإقدام والتغيير الذي انتهجته في شأنها. وكان أول ما بدأت به هذه الحركات هو التأصيل لتحرير المرأة ومشاركتها في العمل السياسي، ووضع حد فاصل لا لبس فيه بين “تعاليم الدين وتقاليد المجتمع. في اليمن حاولت الحركة الإسلامية ممثلة بالتجمع اليمني للإصلاح الاقتراب من هذا المنهج التحريري، وسط مخاوف مجتمعية تعيق عملية تحرير المرأة، فصدرت دراسة للأستاذ ياسين عبد العزيز (أبرز القادة المؤسسين للحركة) تتحدث عن المساواة بمفهومها العام، دون التطرق إلى بعض التفاصيل والإشكاليات المتعلقة بحقوق المرأة. تبنت بعض القيادات الحركية مناقشة التفاصيل المتعلقة بحقوق المرأة، وتوضيح التصورات الخاطئة عند المسلمين، وطرح رؤى متقدمة في سبيل التمكين للحقوق الكاملة للمرأة. أُصدرت هذه المناقشة في كتاب بعنوان (عشر عوائق أمام حقوق النساء في الإسلام) للأستاذ محمد سيف عبدالله أمين عام الإصلاح بمحافظة إب. مؤكداً أن مراعاة العادات والرأي العام، مطلوب شرعاً كمراعاة المآلات، ولكن ألا يكون هو الأصل؛ الأصل الحكم الشرعي القرآني والنبوي الصحيح الذي لا يعارض القرآن، ولا مقاصد الشريعة الإسلامية، وينظر إلى ما نقدم للغد القريب والبعيد..تنتهج الكثير من القيادات الحركية هذا الطرح، مؤكدين أنه لا يوجد ما يمنع إعطاء المرأة كامل حقوقها بما فيها السياسية، كأن تكون تحت قبة البرلمان أو في رئاسة الجمهورية. ورغم هذا الطرح المتقدم، إلا أن المخاوف من إعطاء المرأة كامل حقوقها السياسية والثقافية، تبدو متجذرة في أوساط المجتمع اليمني وحتى من بعض قيادة الإصلاح، الذين يقفون موقفاً متشدداً تجاه المرأة، حيث تبنى الشيخ عبد المجيد الزنداني ومعه بعض العلماء موقفاً رافضاً لدخول المرأة مجلس شورى الإصلاح، ثم رفضهم لتحويل المكتب النسوي في الأمانة العامة للإصلاح إلى دائرة. يظهر وبشكل واضح تأثير هؤلاء العلماء على تعاطي الإصلاح مع قضية المرأة، بالإضافة إلى العادات والتقاليد المُستَحكِمة في المجتمع اليمني. فقضية المرأة - حسب عبد الباري طاهر - نقطة ضعف لدى الإخوان المسلمين بشكل عام، وبالأخص اليمن. كما أن الإحصائيات تُبيّن أن عدد النساء اللواتي يتولين مراكز في قيادات الأحزاب اليمنية بلغ (259) امرأة من إجمالي (12.975) عضواً قيادياً في كافة الأحزاب، وبنسبة (2 %). مع أن هذه النسبة لا تعكس الحجم الحقيقي للنساء داخل المجتمع أو داخل الأحزاب نفسها. كما تُبيّن الأرقام أن “المؤتمر الشعبي العام يأتي في المرتبة الأولى من حيث حجم مشاركة النساء في المواقع القيادية (3.4 %)، يليه الحزب الاشتراكي (1.7 %)، فيما يأتي التجمع اليمني للإصلاح بالمرتبة الأخيرة (0.7 %). وبحسب البعض أن أي تذرع من قبل الأحزاب أو الحركات الإسلامية بمراعاة الواقع الاجتماعي لتأجيل موضوع المرأة، فإنها بذلك تعمل على إعادة إنتاج التخلف والتقاليد ضمن مؤسسات حداثية. مع العجز الواضح في تعاطي الإصلاح مع قضية المرأة، إلا إنه في الفترات القليلة الماضية، بدأ يتجه بخطوات أكثر جرأة نحو تمكين المرأة من حقوقها السياسية والثقافية. حيث تم اعتماد دائرة للمرأة ضمن دوائر الأمانة العامة، وتوسيع مشاركة المرأة في مجلس الشورى. ليصل عدد النساء إلى (13) امرأة من أصل (138) عضواً. هذا التطور جاء نتيجة ممارسة الضغط من قبل الناشطات داخل الإصلاح، وارتفاع نسبة الوعي في صفوف الإصلاحيات بشكل عام. إضافة إلى التوجه العام الذي بدأت تنتهجه حركة الإخوان المسلمين العالمية، بفعل الفقه والاجتهادات التي صاغها علماء من داخل الحركة أو من القريبين منها، مثل: الشيخ الراحل محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي..ورغم هذا التطور إلا أن التغيير الفعلي في موقع النساء في الحركات الإسلامية بشكل عام، وفقاً لبعض المراقبين لا يزال بطيئاً، ولا يزال موضوع المرأة مثيراً للجدل إلى حدٍ كبير. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك