علمانية الطيب أردوغان .. دروس في طريق الإسلاميين عند تشخيص واقع تجربة العدالة والتنمية التركي، يمكن التأكيد بأن الحزب كان أقرب إلى الحركة السياسية منه إلى الحزب بمفهومه السياسي، أو بمعنى آخر استطاع الطيب أردوغان تحويل مؤسسات حزب العدالة والتنمية إلى حركة سياسية تستوعب مختلف شرائح المجتمع التركي. فتحول الحزب إلى ميدان سياسي تعمل بداخله ثلاث قوى، قوى إسلامية، وقوى قومية، وقوى علمانية، لكن الذي يتزعم هذه القوى هم كوادر من التيار الإسلامي، استفادت من رصيد التجربة والحنكة السياسية لتدير دفة هذه التجربة الجديدة. وهذا ما أكده أحد أفراد الهيئة التأسيسية للحزب في مؤتمر صحفي، أن حزب العدالة والتنمية جاء ليملأ الفراغ السياسي القائم في الحياة السياسية التركية بعد أن فقد الشعب ثقته بالأحزاب الممثلة في البرلمان، ولذلك فهو يمثل كافة الاتجاهات الليبرالية، ويحتضن جميع قطاعات الشعب.. من خلال هذه الاستراتيجية استطاع الطيب أردوغان توسيع وتوزيع المسؤوليات على الجميع، كما أنه ابتعد من أنانية الكثير من التيارات السياسية الإسلامية وغير الإسلامية في وطنا العربي. بالإضافة إلى أن إشراك العلمانيين في ساحة العمل السياسي الإسلامي، أكسب العدالة والتنمية فاعلية وحركية ومزيداً من التفهم والعقلنة. ونقل التيار الإسلامي التركي من مرحلة الخصومة والعداء إلى مرحلة الانفتاح والبناء وبالتالي إلى مرحلة الشراكة المجتمعية. كما أن هذه الشراكة والمزج بين كفاءات إسلامية وأخرى علمانية في حزب العدالة والتنمية كان لها الأثر الواضح في التقارب بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، والذي أسهم بدوره في توسيع مجال الرؤية لدى الطرفين في تنزيل بعض المفاهيم والتصورات بقدر من التعايش واحترام الواقع وتجنب المثالية والخيال. بهذه المشاركة جنب أردوغان العدالة والتنمية آفات التصادم مع القوى الأخرى والعسكر، وأتاحت للحزب فرصة البناء التراكمي وحرمت الاستئصاليين من فرصة القمع. لقد وفر هذا المنهج للإسلاميين فرص التعلم والتجربة والنمو التدريجي والاستثمار في مجالات التربية والاقتصاد وتقديم الخدمة للناس. يبدو إسلاميو اليمن أقرب من غيرهم في الوطن العربي في اعتماد مبدأ المشاركة، فالفترة التي قضاها الإصلاحيون بعد خروجهم من السلطة في 1997م والممتدة حتى عام 2001م أحدثت لديهم قناعات ورؤى جديدة، تتمثل في ضرورة تفعيل دورهم الحقيقي كمعارضة، فقرروا العودة إلى مربع المعارضة القوي، والذي زاد من صلابتها وجديتها تشكيل تكتل ما يسمى بأحزاب اللقاء المشترك. وبتشكيل هذا التكتل الذي ضم فرقاء العمل السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يكون الإسلاميون قد دشنوا مرحلة جديدة من العمل السياسي القائم على مبدأ المشاركة لا المغالبة. وهكذا بدأ التجمع اليمني للإصلاح مع بقية أحزاب اللقاء المشترك جنبا إلى جنب في العمل على استراتيجية سياسية وإعلامية موحدة، من خلال النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات، بعيداً عن المعارضة المفتعلة والصراع الذي يولد العنف ويؤجج عناصر المواجهة مع الآخر، ما أكسب تكتل اللقاء المشترك شعبية وحضوراً جماهيرياً تمثل في سيطرة كوادره على معظم النقابات الطلابية والمهنية كالمعلمين والأطباء وغيرها.. كما أن هذا الاصطفاف الوطني لأحزاب اللقاء المشترك هو الذي مهد الطريق لإشعال شرارة الثورة السلمية الشبابية في 2011م، والتي هدفت إلى استعادة كرامة المواطنين المنهوبة، من قبل نظام علي عبدالله صالح. هذه المرحلة والتحول في الخطاب السياسي المبني على الحوار والتعايش وقبول الآخر بل والشراكة معه، يعد من أهم مكاسب الإسلاميين في اليمن. حيث اقتربوا من الواقع، تفاعلاً وعطاءً، مما جعلهم يتعايشون بصورة مباشرة مع الواقع الموضوعي بكل تعقيداته وتداخلاته وحساسياته وتناقضاته. هذا الاقتراب دفعهم إلى التحول من الانغلاق إلى الانفتاح، ومن العمل الذاتي الداخلي إلى الكسب المجتمعي العام. هذا التحول، جعل بعض المراقبين، يتساءلون فيما إذا كان ذلك مصلحة برجماتية وأهدافاً تكتيكية سياسية، أم إنه مبدأ استقر في بنيوية وفلسفة الإسلاميين في اليمن. يبدو أن الأيام القادمة ستكشف حقيقة هذا الأمر، خصوصا إذا فاز الإصلاحيون في الانتخابات القادمة، وكيف سيتعاملون هل باستيعاب الآخرين أم بالإقصاء التهميش. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك