دأب الإسلاميون في تركيا على اعتماد مواقف متشددة تجاه بعض القضايا كالتأكيد على عدم الانصياع للجبهة العلمانية العسكرية أو المدنية، وكذا تجريم التحالف بين تركيا وإسرائيل والموقف السلبي من المؤسسات الاقتصادية الدولية، برزت هذه المواقف المتشددة بين حين وآخر من قبل نجم الدين أربكان، والذي يمثل اليمين الإسلامي. حتى شعر البعض بمزيد من الانزواء والتقوقع على الذات داخل مجتمع علماني منفتح، لذلك بدأت مناقشات عميقة في أوساط الاسلاميين الأتراك أفضت إلى ضرورة إعادة النظر في الكثير من القضايا، وإدارة الصراع السياسي من خلال الانفتاح على الأطراف الأخرى وتعميق الجذور في أوساط المجتمع التركي ومخاطبته بلغته وثقافته، بالإضافة إلى إعادة ترتيب الأولويات في ساحة الصراع السياسي بما يحقق المصلحة الوطنية العليا. أفرزت هذه المناقشات ظهور حزب العدالة والتنمية، بقيادة رجب طيب أردوغان، والذي يمثل اليسار الإسلامي، استطاع أردوغان تجاوز حالة الاحتراب السياسي المكلف والمستنزف للطاقات، مع تخليه عن حده الخطاب السياسي الإسلامي مؤسسا بذلك مدرسة جديدة في تاريخ الإسلاميين سواء العرب أو غيرهم. وعند فوزه في الانتخابات الأولى أظهر الطيب اردوغان ذكاءه السياسي في تأكيد التزامه بالدستور العلماني لتركيا، وابتعد كثيرا عن بعض أساليب الإسلاميين الذين يعتبرون وصولهم إلى الحكم وصولاً إلى الخلافة الإسلامية. استطاع الطيب أردوغان تقديم الإسلام للعالم على أنه قوة تحديثية وأسلوب ديمقراطي وتنمية واقتصاد مقابل الصورة السوداوية التي اكتسبها العلمانيون من خلال الديكتاتورية والعسكر. الذي فعله وأسسه أردوغان يكاد ينعدم في فكر وفلسفة الكثير من الحركات الإسلامية، والتي أغلبيتها وفقا لمحمد عمارة أنها _ أي الحركات الإسلامية _ تعيش في الماضي دون الحاضر، وأنها تستفتي الأموات في كل شئون الأحياء، مهملة التمييز في القضايا الفكرية بين الثوابت وبين المتغيرات، وأنها تقدس الموروث على النحو الذي يقلل إلى حد الازدراء من شأن الإبداع، وتخلط بين البدعة في الدين وبين الإبداع في الحضارة فترفضهما معاً، ثم يؤكد عمارة أنه من الضروري للحركات الإسلامية من مراجعة سريعة لتصحيح هذا الخلل الملحوظ والسائد لدى قطاعات كبيرة في كثير من الحركات الإسلامية. في اليمن يقف الإسلاميون أمام تحديات حقيقية تتمثل في الوصول إلى اجتهاد فقهي مستنير في قضايا الدولة والديمقراطية والمرأة وفي التعامل مع الداخل والخارج، كما لاحظ فارس السقاف على إخوان اليمن ضعف التصور الفكري والفقهي لمستجدات الواقع، إذ يرى أن الإخوان في اليمن ينطلقون من فقه الضرورة والواقع، معتبرا أن هذا النوع من الفقه اللاحق ليس عيباً بالكلية فهو مطلوب أحياناً حين يأتي من حيث لا يحتسب له، ولكن العيب في هذا الوضع أن الفقه الإسلامي هنا يكون منفعلاً لا فاعلاً بمعنى أن الفعل يسبق التصور وليس العكس ومعلوم ما يعني ذلك من التباين. أمام أزمة الجمود الفكري وضعف التأصيل الفقهي القائم على رؤية تجديدية لدى الكثير من الإسلاميين، تبدو الحاجة ملحة لردم الهوة بين الرؤية الفقهية وواقع الحياة في أطرها المختلفة، فالأمة ومن قبلها الحركات الإسلامية مطالبة بمباشرة نهضة تجديدية، تقوم على أسس منهجية شرعية قويمة، تعيد تنظيم العلائق بتطوير ما يتطلب الواقع تطويره، تحت قوس النص الشرعي، وفي إطار بحبوحته التي تفيض رحمة ويسراً. فالفقه حين يعرف دوره يتحول إلى ثورة (تحتية) تهز البناء الاجتماعي والاقتصادي كله، وتحميه عند الحاجة. كما أنه _ حين يؤدي دوره _ يصنع بلغة علمية قانونية التحولات التطورية في حياة الأمة، ويغنيها عن تحولات تفرض عليها بطريقة انفعالية عفوية، لا علمية. ومن هنا فينبغي أن يكون الفقه في خدمة القيم العليا السامية للإسلام، والتي ترتكز على الحرية الإنسانية والمساواة والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الإنسان. لو لم نسلك هذا المسلك فمعنى ذلك أننا ترك الموتى يتحكمون في الأحياء. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك