وكانت “هيباتيا” في رواية “عزازيل” ليوسف زيدان هي حاملة نص الثقافة العلمية الجديدة في الاسكندرية معقل الكنيسة القبطية الشرقية والتي كان للاهوت الكنسي الهيمنة على النخبة السلطوية وعلى الشارع الاجتماعي. واستعرضت الرواية العضلات النصية من خلال شخصية “هيباتيا” الجميلة جداً والرائعة الإلقاء لدروس الفلسفة والرياضيات والقائمة على إنتاج النص السلمي الذي التف حوله عديد من المستمعين في القاعة الفسيحة التي احتل مقاعدها الأمامية “الحاكم” ومعاونوه, بينما كان النص المتربص والمحرض ضد النص العلمي ينتظر خارج القاعة لأعمال السيف في رقبة “هيباتيا” رمز النص النقي العلمي. وفي اللحظة الفارقة بين نهاية المحاضرة وانسحاب الحاكم انقض النص العلمي الناقد وتحت شعار منسوب “ليسوع المسيح” وهو أيضاً من النصوص المستخدمة عملياً لقمع الآخر القائل “ماجئت لألقي في الأرض سلاماً, بل سيفاً!” وقد استمر صراع النصوص العنيفة عبر العهود القديمة ومازال في نفس سياقه مع اختلاف الأدوات التحريضية والتنفيذية.. ولم تشذ النصوص الأيديولوجية والجملة الغيبية عن مسار الصراع بين مذاهب المسيحية والتي نقلت فعلها الجوهري إلى مسار الصراعات النصية في مذاهب الثقافة الصحراوية البدوية, ومانلاحظه الآن من تناقضات وصراعات النصوص في متن الثقافة الصحراوية البدوية ليس سوى صدى للتناقضات والصراعات في متن المصالح الاقتصادية وتجلياتها الثقافية. واشتهرت النصوص المكتسبة “المادحة” في بلاطات الحكام شعراً, نثراً وقافية, وهناك آثار مدمرة لنصوص المدح التي حولت العديد من الحكام إلى طغاة من الدرجة الأولى, وعلى النقيض من هذه النصوص البائسة برزت نصوص نقدية مضادة(هجائية) ومحاربة ومنها ماهو مشهور ومعلوم ومعلن وماهو مكبوت ولم يظهر حتى الآن وإلى جانب هذه النصوص وجدت النصوص التشهيرية والنصوص التسويدية لنصوص الآخرين المختلفين في الرأي والاعتقاد كما لحقت بنصوص الآخرين التشويهات الموجهة من المرجعيات النصية العليا والسلطات الحاكمة. وجلس القرن العشرين على حقل واسع من النصوص المتنوعة والنصوص النقدية بما في ذلك النصوص النقدية الاحترافية المتفق أكاديمياً على معاييرها, ولكن المهم في هذا القرن العظيم في منتجاته المعرفية هو الانقسام الكبير داخل حقل نصوص الثقافة الأدبية بين النص المرتبط بالإنتاج الرأسمالي الكبير والعظيم وما لحقه من تقسيم في إطار العمل العضلي والذهني وبالتطور المهول للعولمة التي أزاحت إلى الهامش, إذا جاز لنا التعبير, نظم الإنتاج الاشتراكي التي ظهرت أولاً في روسيا بداية القرن العشرين, وهذا النص تمسك أولاً بعدم تمكين النص اللاهوتي الكنسي- الكهنوتي التقدم خطوة نحو التطرف والتعصب الفاشي وأبقي في حدود الدعوة السلمية للمبادئ المهذبة المرتبطة بالمدنية والحداثة, وعمل النص الحر والليبرالي والديمقراطي على خلق أرضية لازدهار النقد المنطقي الموضوعي الذي يساهم في تنمية الذهنية القلقة الحرة المبدعة. ورغم هذه الاستقلالية وسيادة الحرية والديمقراطية في متون النصوص والنصوص النقدية فإن نصوصاً دخيلة غازية حملتها هجرات الجياع من آسيا وشمال وشرق افريقيا أدى إلى تعكير صفو نصوص الثقافة المدنية- الحداثية الأوروبية- الأمريكية, وبين النصوص الصحراوية البدوية المهيمنة في منطقة الشرق والشرق الأوسط وشمال افريقيا وهي الثقافة الأدبية شديدة الصلابة والفاشية المعادية لحرية النص النقدي ولذلك أعيد إنتاج هذه النصوص بنسختها المتوحشة والتي تحمل الآن على الأموال الناجمة عن الريع النفطي.. وهذه النصوص الثقافية الأدبية التي تستخدم السيف في تقطيع أوصال النصوص النقدية لجأت إلى استخدام الأموال لقمع أصحاب الرؤى الحداثية وكانت مرحلة نظام السادات هي الأكثر إثارة ودفعاً إلى مآلات بعض النصوص. رابط المقال على الفيس بوك