*** د.عبد الواسع الحميري: النقد فعل لغوي بشروط معينة وليس كلاماً على الكلام. امتداداً للنشاط الدؤوب لمنتدى الناقد العربي بصنعاء واتصالاً بفعاليات برنامجه الثقافي النقدي الإبداعي الشامل أقام المنتدى ندوة نقدية متخصصة حول «المشهد النقدي في اليمن» شارك فيها نخبة من أساتذة الأدب والنقد، وتطرقت في مجملها الى واقع النقد في اليمن على المستوى الأكاديمي والصحفي، كما استطاعت الندوة بلورة صورة شاملة عن آفاق النشاط النقدي في اليمن والمناهج النقدية التي يتعامل معها النقاد في اشتغالهم على النصوص الإبداعية، كما أنها ألقت الضوء على كثير من إشكاليات النقد والنقاد في بلادنا، خاصة ما يتعلق منها بأزمة النقد ذاته من حيث حضور مساحته وتفاعله مع قضايا الساحة الإبداعية في اليمن. وقد شارك في الندوة كل من الدكتور/أحمد قاسم الزمر الذي أدار الندوة والدكتور علي حداد، والدكتور أحمد مقبل المنصوري، والدكتور حاتم الصكر، والدكتور عبد الواسع الحميري- رئيس المنتدى، وكان من المفترض مشاركة الدكتور إبراهيم الجرادي الذي اعتذر عن الحضور لوعكة صحية ألمت به. ** موضوع حي في بداية الندوة أشار مقدمها الى حيوية موضوعها وهو «المشهد النقدي في اليمن» موضحاً أن النقد الأدبي اليوم يتميز بتعدد مشاربه ومناهجه وأن القاسم المشترك لهذا التعدد وذلك الاختلاف هو العمل الأدبي أو النص الأدبي مؤكداً أن النقد الأدبي اتسم في بعض الدراسات بالانطباعية كما اتسم في بعضها الآخر بالعلمية الدقيقة الصارمة وأننا كنا من قبل سماعين لمناهج يعدها البعض اليوم تاريخية كالمنهج النفسي والاجتماعي والتكويني وغيرها، ونحن اليوم عاجزون عن مقاومة مناهج فرضت نفسها على الساحة النقدية واللغوية كالبنيوية والأسلوبية والنصية والحداثية والألسنية، وقد نسمع غداً عن مناهج جديدة ربما تكون الآن في طور التشكل والتخلق وقد تكون في طور المخاض مشيراً الى أننا في هذه المرحلة انتقلنا من مرحلة الإرسال التي كان عليها أسلافنا من النقاد الى مرحلة الاستقبال فنحن متربصون ومرهفو الأسماع لاستقبال كل وافد. وأضاف الزمر: أنه لا يدعي أن ذلك من المحظورات فتلاقح الثقافات والإفادة من إبداع الآخرين أمر في غاية الأهمية، كما أن إغلاق النوافذ وصم الآذان عن ثقافة الآخر أمر في غاية الخطورة لأنه يعني الجمود ثم الموت، غير أن إغلاق النوافذ لم يعد متاحاً الآن لأية أمة أو ثقافة بعد أن أصبح العالم قرية واحدة فنحن مع فتح النوافذ لكن مع وضع الأسلاك التي تمنع الذباب والحشرات الضارة من الدخول، وأضاف الزمر: وإذا عدنا الى موضوع النقد فإنه يعالج موضوعاً اسمه الأدب وفي الأدب كما في الحياة الغث والسمين وبدون النقد لا يمكن التمييز بينهما، كما أن النقد لم يعد قيماً على الأدب قوامة مطلقة يحيله الى الحضيض متى شاء ويسمو به الى القمم ويصفق له أنّى أعجب به وما هكذا يا سعد تورد الإبل لكن سعداً وهو الناقد الحصيف هنا عليه أن يتساءل حول العمل الأدبي ويرحل في أعماقه ويتسلح بمنهجية واضحة وبأدوات استقصاء ملائمة يدفعه الى ذلك حب الأدب والرغبة في تذوقه ولكن بآليات البحث العلمي الصارم وأدوات اللغة الدقيقة، بحيث تكون النتيجة أن يتحاشى الناقد الحكم على العمل الأدبي وفق مزاجية ودوافع لا علاقة لها بالأدب بمعنى ألا يفرض على النص معياراً خارجياً ضيقاً يقصر النص قسراً على التوائم مع أفكاره وتوجهاته لأن السلاح النقدي المضاء اليوم هو العلمية والموضوعية اللتان تعززهما اللغة، كما أشار الزمر: نقدنا العربي بكل تشعباته يعاني من مرض الاختزال والقسر وأن النقد الصحفي طغى على النقد الموضوعي وأن نقادنا يتعاملون مع النص لتأكيد أو دحض آراء مسبقة قد تكونت وعششت في أذهانهم وعقولهم، مشيراً الى أن النقد الأدبي ينطلق من النص وينتهي إليه وللناقد أن يختار ما بين النص والنص المقاربة التي يشاء والمنهج الذي يراه مناسباً على ألا يدعي أن النقد بدأ منه وانتهى إليه فالنقد قراءة والقراءة حوار مفتوح مع المقروء أي أن النقد نشاط إبداعي وليس لغة حول اللغة. ** النقد الجامعي الأكاديمي: الدكتور أحمد مقبل المنصوري أشار الى أن النقد في اليمن يعاني ركوداً باستثناء بعض الشموع الصامدة أمام ريح هذا الركود، وأضاف المنصوري: أن النقد الصحفي موجود لكنه لا يعطيك المؤشرات الحقيقية لتكوين صورة واضحة عن حالة الإبداع بسبب السرعة والاختصار وعدم الدقة. كما تطرق المنصوري الى واقع النقد الأكاديمي مقسماً إياه الى قسمين أو نوعين أولهما النقد التنظيري وثانيهما هو النقد التطبيقي، مشيراً الى أنه إجمالاً لدينا نقد تاريخي واجتماعي وفني وعندنا نقد أسلوبي ونقد حداثي، وأضاف المنصوري: أن هذا المحصول النقدي الكثيف يشعرك بالسرور لكنه في الوقت ذاته يشعرك بالمرارة والأسى نظراً لأن معظم الأقلام توقفت أو أوشكت أن تتوقف وفي أحسن الأحوال يكون نتاجها ضئيلاً بطيئاً وكأنها كتبت كتبها النقدية لكي تنال درجة عالية وحسب وهو شيء مؤسف ويقود للحديث عن أزمة النقد في بلادنا خاصة النقد الأكاديمي. وقد عدد المنصوري ملامح هذه الأزمة مبتدئاً بأزمة الإنتاج التي تتمثل في توقف العطاء النقدي لبعض النقاد أو سيرهم ببطء شديد في إنتاجهم مما لا يتناسب مع زمن صدور أول كتاب لهم. واستشهد المنصوري ببعض الأسماء التي تعمل في حقل التدريس الأكاديمي، مؤكداً في الوقت ذاته أن حديثه ليس دعوة للإسهاب بقدر ما هو تساؤل مشروع وملفت للانتباه، مشيراً الى أزمة التواصل مع النقد العربي والأجنبي والافتقار الى الترجمة، إضافة الى أزمة المواكبة حيث لا يواكب النقد في اليمن الجديد بشكل جدي ومدروس ومخطط له، كما أنه لا يواكب الإبداع في جديدة الذي يتدفق على الساحة بشكل مستمر، ولفت المنصوري الانتباه الى أزمة المطبوعات و ندرتها حيث يفتقد الناقد للمجلات المحلية الرصينة القادرة على خلق حراك نقدي دائب ومستمر، مختتماً حديثه عن أزمة انطواء الناقد على نفسه وبعده عن مجال اختصاصه ومتابعته للجديد.. ** النقد تجربة معرفية أما الدكتور/علي حداد فانطلق في حديثه من إثارة إشكالية المفهوم فما الذي نعنيه بالنقد؟ متوصلاً الى استبعاد تاريخ الأدب والأدب المقارن ونظرية الأدب من حقل النقد، مؤكداً أن النقد يصدق على الاشتغال على النص الإبداعي من خلال المعايشة المتواصلة معه انطلاقاً من حاجة إنسانية، مشيراً الى أن النقد لا يزدهر إلا في مجتمع له وجوده الحضاري المزدهر، وأن النقد تجربة معرفية جاءتنا من الغرب بامتياز مشكلة أبرز ظاهرة عولمية في الوجود الإنساني. وأشار حداد الى عدة أشياء تؤسس لأي مشهد نقدي من بينها التراكم المعرفي والفكري والصلة بالمحيط المعرفي وحركيته، إضافة الى طبيعة الانشغالات النقدية، موضحاً أن هناك فرقاً بين الناقد وبين دارس الأدب أو معلم الأدب، باعتبار أن النقد عملية لا تصدق سواءً على من يمتلك رصيداً معرفياً وثقافياً ضخماً ويمتلك آليات معينة ويسعى الى تطورها وتجاوزها. وفي إطار توصيفه للمشهد النقدي في اليمن أشار حداد الى أربعة أنماط هي النقد الصحافي والأكاديمي ونقد الشعراء ونقد بعض الوافدين الى اليمن عرباً وغيرهم، مؤكداً أن النقد الصحافي احتفالي ومجاملاتي على الرغم من وجود كتابات نقدية جادة في صحف لأكاديميين متميزين. وذكر الدكتور علي حداد أسماء عديدة اشتغلت في النقد في اليمن لكنها تراجعت وصارت كتاباتها منزوية متباعدة، مثل عبد الباري طاهر وعبد الكافي الرحبي وعبد الودود سيف، وفي ختام حديثه واستعراضه للمنتج النقدي في اليمن من خلال تلك الاتجاهات النقدية الأربعة التي ذكرناها، أشار حداد الى سعة وثراء الأدب اليمني، متوصلاً الى أن النقد في اليمن يتسم بالاتساع والحدة والتداخل والقطيعة مع التراث النقدي اليمني والاشتغال على الشعر في الساحة النقدية اليمنية دون بقية الأجناس، الى جانب تكرار المنهج والخلط المنهجي. ** تغييب الهامش وإثراءً للندوة حظيت بعدد من المداخلات والتعقيبات من قبل الحضور وفي مقدمتهم الدكتور/حاتم الصكر الذي عقب باقتضاب على الهموم النقدية التي وردت في الندوة وهي الصلة بالغرب والتراث والنقد الصحفي وعمل الناقد، وقال الصكر: أن النقد في الصحافة ليس كله شراً مستشهداً أن النقد الصحفي قد يثير تعقيبات مهمة وقد يبشر بنظريات جديدة وإرهاصات آليات لم تنضج بعد، وانتقد الدكتور/حاتم الصكر النقاد لتجاهلهم الهامشي وتغييبهم له، مشيراً الى ظواهر جديرة بالاهتمام النقدي مثل الأدب النسوي في اليمن وقصيدة النظر، وهما ظاهرتان سبق أن اشتغل عليهما الصكر واحتفى نقدياً في كتابين منفصلين. كما شارك في إثارة الندوة وعقَّب على بعض ما ورد فيها الدكتور عبد الواسع الحميري- رئيس منتدى الناقد العربي و خاصة ما يتعلق بمفهوم العملية النقدية مؤكداً أن النقد فعل لغوي وسيلته اللغة ومحور أشغاله النص وغايته إنتاجية لغوية تبين علاقة النص القارئ بالنص المقروء. وأثار من جانبه الدكتور حيدر غيلان إشكالية الخصوصية النقدية باعتبار أن بعض المفاهيم النقدية توظف في لغة ما على عكس توظيفها في لغة أخرى. ** تواصل وتواصلاً لنشاط المنتدى يستضيف المنتدى الخميس القادم في العاشرة صباحاً بمقر المنتدى الشاعر/محمد حسين هيثم مع قراءات نقدية تحاول أن تسلط الضوء على أبرز جوانب نصوص هيثم الشعرية وآفاقها الإبداعية باعتبارها تجربة متميزة في المشهد الإبداعي اليمني لها خصوصيتها وانشغالاتها ورؤيتها الجمالية.