غوغل تعلن ضوابط أمان جديدة لحماية مستخدمي كروم    تكرّيم أبطال بطولة منتخبات المحافظات للكاراتيه بصنعاء    ثلاث عادات يومية تعزز صحة الرئتين.. طبيب يوضح    سوء الخاتمة: الاشتراكي يختتم تاريخه الأسود بفضيحة.    شهد تخرج 1139 طالبا وطالبة.. العرادة: التعليم الركيزة الأساسية لبناء الدولة واستعادة الوطن    جلادون على طاولة التفاوض    هجوم أوكراني واسع يعلّق العمل في جميع مطارات موسكو    ضحايا جراء سقوط سيارة في بئر بمحافظة حجة    منظمة اممية تنقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن    نيويورك.. رابطة "معونة" تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان وتطلق ثلاثة تقارير رئيسية    الترب: أخطر مشروع يستهدف اليمن اليوم هو الانفصال    مواجهتان ناريتان بكأس العرب... سوريا أمام المغرب وفلسطين بمواجهة السعودية    النفط يواصل الارتفاع بعد التوتر المتصاعد بين واشنطن وكاراكاس    الصحفية والأديبة الشاعرة سمية الفقيه    نتائج الجولة السادسة من دوري الأبطال    أمريكا تستولي على ناقلة نفطية في البحر الكاريبي    جرائم العدوان خلال3,900 يوم    الأجندة الخفية للإعلام السعودي والإماراتي في اليمن    يورونيوز: كل السيناريوهات تقود نحو انفصال الجنوب.. و"شبوة برس" ترصد دلالات التحول السياسي    بيان مجلس حزب الإصلاح وسلطان البركاني    الجنوب راح علينا شانموت جوع    السيتي يحسم لقاء القمة امام ريال مدريد    لا مفر إلى السعودية.. صلاح يواجه خيبة أمل جديدة    الكاتب الصحفي والناشط الحقوقي نجيب الغرباني ..    مجلس الشورى يؤكد رفضه القاطع لأي مشاريع خارج إطار الدولة    اليونسكو تدرج "الدان الحضرمي" على قائمة التراث العالمي غير المادي    عود يا أغلى الحبايب... يا أغنيةً عمرها ثلاثون سنة ولا تزال تشعل قلبي كلما هبّ اسمها في الهواء    إسرائيل تحذر واشنطن: لن نسمح بوجود تركي في غزة    أهمية عودة دولة الجنوب العربي ... بين اعتبارات الأمن الإقليمي وواقع الأرض    فعالية حاشدة للهيئة النسائية في صعدة بذكرى ميلاد فاطمة الزهراء    المحرّمي يبحث تعزيز قدرات خفر السواحل لمواجهة تهريب السلاح والتهديدات البحرية    وزارة الزراعة والثروة السمكية تعلن فتح موسم اصطياد الجمبري    نائب وزير الاقتصاد يطلع على سير العمل في مكتب الحديدة ويزور عددا من المصانع المتعثرة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بهيئة الأراضي وخططها المستقبلية    صنعاء : تشكيل لجنة لإحلال بدائل للبضائع المقاطعة    الرئيس الزُبيدي يشدد على دور وزارة الأوقاف في تحصين المجتمع ونشر ثقافة التسامح والوسطية والاعتدال    المنتخب الوطني تحت 23 عاما يغادر بطولة كأس الخليج بعد تعادله مع عمان    اليونيسيف تقر نقل مقرها الى عدن والحكومة ترحب    المحرّمي يطّلع على جهود وزارة النفط لتعزيز إمدادات وقود الكهرباء والغاز المنزلي    الرئيس المشاط يعزي في وفاة المجاهد العياني والشيخ شبرين    ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي    بيان مرتقب لقائد الثورة في اليوم العالمي للمرأة المسلمة    "اليونسكو" تدرج الدان الحضرمي على قائمة التراث العالمي غير المادي    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع ارتفاعًا طفيفًا في درجات الحرارة    النفط يحافظ على مستوياته مع تزايد المخاوف من تخمة المعروض    نبحوا من كل عواصم العالم، ومع ذلك خرجوا من الجنوب.    مباراة حاسمة.. اليمن يواجه عمان مساء الغد على بطاقة التأهل لنصف نهائي كأس الخليج    اجتماع موسع بصنعاء لتعزيز التنسيق في حماية المدن التاريخية    60 مليون طن ركام في غزة بينها 4 ملايين طن نفايات خطرة جراء حرب الإبادة    اكتشاف أكبر موقع لآثار أقدام الديناصورات في العالم    إتلاف 8 أطنان أدوية مخالفة ومنتهية الصلاحية في رداع    حضرموت.. المدرسة الوسطية التي شكلت قادة وأدباء وملوكًا وعلماءً عالميين    شبوة.. تتويج الفائزين في منافسات مهرجان محمد بن زايد للهجن 2025    المثقفون ولعنة التاريخ..!!    ضرب الخرافة بتوصيف علمي دقيق    إب.. تحذيرات من انتشار الأوبئة جراء طفح مياه الصرف الصحي وسط الأحياء السكنية    رسائل إلى المجتمع    في وداع مهندس التدبّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حداثة النقد وأوهام الحداثة
أصوات متجاورة
نشر في الجمهورية يوم 25 - 01 - 2013

ليس النقد لوناً جديداً من مكوناتنا الثقافية، وإنما هو أقدم العلوم والمعارف في بيئتنا العربية؛ إذ يعتبر النقد الأدبي من أكثر الألوان الفكرية تعقيداً، والناقد ينبغي عليه أن يكون ملماً ومُطلعاً على ملابسات الحركة الثقافية والفكرية، وأن يكون موضوعياً وعارفاً بحقائق الأمور وتداخلاتها؛ إذ كان أعلم الناس بعلم اللغة والشعر والبلاغة والخطابة هم من ينبرون لهذه المهمة ويتصدون لاستعراض النتاجات الأدبية للشعراء ويقومون بتحليلها ونقدها، وعلى ضوء ذلك يحددون أفضل النتاجات الأدبية(1)، ويسعون للارتفاع بوعي القارئ وبقدراته على التقاط الأثر الأدبي؛ إذ يغدو ذلك من أسمى غايات اشتغالاته، وعليه فالناقد هو مجموع المبدعين الذين يقف على نتاجهم الإبداعي.
إضافة إلى تراكماته القرائية وخبراته المتعددة، ولعل الصراع الدائر اليوم لم يعد بين الناقد والمبدع، وإنما بين النقاد أنفسهم، بين الجديد في النقد والأجد، وعن الطريقة أو الطرائق التي يتم بها تناول العمل الأدبي، وهل تتم تلك المقاربات النقدية وفق منظور النقد الذي ساد في النصف الأول من هذا القرن، وامتدت آثاره حتى الخمسينيات والستينيات، أم من منظور حداثي يستخدم فيها الناقد التجارب الأحدث، ويفيد من المناهج التي بدأت تسود الحياة الأدبية وتتناول النصوص الإبداعية من منطلقات تكاد تختلف تماماً عن تلكم التي كانت سائدة إلى وقت قريب.. ومع هذا لا تزال الفجوات واضحة للعيان، بينة للمعاين الذكي ما بين القراءات الأكاديمية للخطاب الشعري واشتغالات النقد الصحفي، فالاتجاه الأول: الأكاديمي يتمحور حول نصوص الكبار من الشعراء قديماً وحديثاً معتمداً في ذلك على لغة لا تسعى إلى تقريب الخطاب الشعري من القارئ العادي، الأمر الذي يعمق الفجوة بينه وبين المبدع حسب تعبير الدكتور فاضل القعود في دراسته عن الخطاب الشعري الآن.. أما الاتجاه الثاني : النقد الصحفي، فيغلب عليه ممارسة القراءات التأثرية الانطباعية التي لا تنجو في مجملها من التعجل والتناقض والمجاملة.
ولعل هذا التوصيف للإشغالات النقدية بشقيها الأكاديمي والصحفي يقودنا للتساؤل عن طبيعة اشتغالات علوان الجيلاني النقدية وإلى أي الاتجاهين يمكننا أن نعزوها بعد ذلك.
علوان الجيلاني... أصوات متجاورة:
إن الناقد الحقيقي هو الشاعر الحقيقي، وإنه ما من ناقد حقيقي إلا وقد مارس الشعر واستمر في معايشته أو تخلى عنه(2).. ولقد كان الشعراء هم أصحاب الرأي المسموع في أشعار بعضهم وإن نجمت بعض الملاحظات النقدية الذكية عن آخرين .. فإن الرأي المسموع هو رأي الشاعر في شعر غيره باعتبار أنه يصدر عن تجربة، ويحكم صاحبه بما يعرف، وكان أغلب الشعراء يعون مسئولية الحكم على تجارب الآخرين فتراهم ينأون بأنفسهم عن المناكفات ولا يرتضون أن تتدخل أجواء التنافس فيما بينهم حتى لا يؤثر ذلك على مسار طروحاتهم النقدية، ولعل الناقد علوان الجيلاني انطلق في ميادين النقد المتنوع قارئاً تجارب أصدقائه وأبناء جيله وهو يدرك سلفا مثل هذه القيم والحقائق المعرفية المؤسسة للخطاب النقدي، في الآن الذي نلاحظ أنه انتقل إلى التحليق في مدارات النقد بعد أن حلقت روحه في حضرة الشعر وكان صاحب القدح المعلا شعريا، الأمر الذي هيأه لأن يكون الأجدر بين أبناء جيله للنهوض بتبعات العمل النقدي، وهنا أجدني محاصرا بضرورة الإجابة عن السؤال المهم في هذا السياق.
^^.. ماذا عن الاشتغالات النقدية عند الناقد علوان الجيلاني في كتابه أصوات متجاورة؟ وما الذي قد يحسب له أو يؤخذ عليه؟
إن العمل النقدي لا يختلف عن العمل الأدبي في شيء، بل لعله العمل الأدبي إضافة إلى شيء آخر، فإذا كان الأديب يواجه كل مجريات الحياة حوله بثقافته التي حصلها بتجاربه، فالناقد يواجه هذه الحياة بكل تبعاتها ومع ذلك يواجه معطيات ومكونات العمل الأدبي، فتزداد المسئولية في العمل النقدي عن العمل الأدبي، وبناء عليه فإن الناقد عندما يتفاعل مع العمل الأدبي يكون شبيها بتفاعل المبدع في الحياة عامة إضافة إلى تكاليف أخرى لا يسلم من تبعات المساءلة عنها –لاحقا- مادام أنه ارتضى لنفسه أن يتصدر للقيام بمهمة استنطاق تجارب الآخرين والاطلاع على تفاصيل حيواتهم الإبداعية المتجاورة، حسب تعبيره.
لعل الفقرة السابقة تنطبق كثيراً على أجواء الاشتغالات النقدية عند الناقد علوان الجيلاني خاصة تلك المقاربات النقدية التي خصصها لقراءة نتاجات أبناء جيله التسعيني، التي صدرت مؤخراً في كتاب مستقل بعنوان (أصوات متجاورة).
استطاع الجيلاني – كما يبدو لي - في كتابه النقدي آنف الذكر أن يخرج النقد من أن يكون حكماً على العمل أو المؤلف ليصبح سياحة قرائية، أو قراءة منفتحة على آفاق الحياة من خلال العمل الأدبي / مادة الاشتغال النقدي، واستطاع في الآن ذاته أن يقيم حواراً خصباً مع مجموع تلك النصوص الشعرية المختارة للدرس النقدي؛ الأمر الذي مكنه من استكناه خفاياها على المستوى الفكري والجمالي.. حيث لا ينفتح على القيم الجمالية والفنية وحدها، بل تراه ينفتح كذلك على القيم الفكرية ((بين التقييم الجمالي لأي نص أدبي، والتقييم الفكري من حيث كون النص أداة معرفية تؤكدها علاقة الفن القوية بالمجتمع).. كما أنه يطل علينا من صفحات كتابه ناقداً حقيقياً يتفاعل مع الحياة العامة، ويبحر في أعماق النصوص الشعرية محاولاً الاقتراب من أجواء مبدعيها والتعرف على طرائق تشكيل النصوص الإبداعية لدى كل واحدٍ منهم على حدة، مستعيناً بالتأمل الجاد والعميق كخطوة أساسية للكتابة عن أي عمل إبداعي يرتضيه للكتابة النقدية.. إن السعة الثقافية والتراثية والحداثوية التي يتميز بها علوان الجيلاني، ويتفوق بها عن أبناء جيله هي التي مكنته من التعامل مع النصوص الإبداعية بحرية تامة وبأدوات إجرائية متعددة؛ فالنقد بالنسبة إليه شأنه شأن الأدب، يبدأ أولا بالذوق وينتهي بالعلم، وحتى يتسنى له أن يتفاعل مع العمل الأدبي باعتباره كائنا حيا "فلا بد عليه أن يتذوق بعض خلاله وخصائصه" فالكتابة - وفق هذا المعطى - عن العمل الأدبي بالنسبة لقناعاته، هي كتابة عن تذوق قبل أن تكون كتابة عن علم، ولكي يصل إلى ذروة مبتغاه فليس ثمة مفتاح نقدي واحد يستخدمه الجيلاني ليفتح به مغاليق النصوص الشعرية , بل لابد من توافر إجراءات نقدية متنوعة يفتح بها مغاليق النصوص، ويبحر عبرها باتجاهات شتى بقصد إضاءة عُتمة النصوص، وملامسة العمق فيها ، وهذا معناه أن النص هو الذي يقود الجيلاني إلى استخدام الإجراءات التي تتلاءم معه (بنائياً وفنياً) ومن هذا المنطلق يتضح أن الجيلاني لا يلوي عنق النص لمفاتيح منهج نقدي معين ارتضاه سلفاً، ولا يكسر عنق النص ليقوله ما لم يقله؛ بل إن مطلق الحرية التي ارتضاها لنفسه هي التي جعلت النص ذاته يفتح نفسه بنفسه ويكشف عن مواطن الفتنة والإثارة فيه، وهو السر وراء تشكل خطابه النقدي المغاير للخطاب النقدي المألوف باشتغالاته على إعادة إنتاج المنتوج، وهو ما يشجعني على إعداد قراءة أخرى أقف فيها على طبيعة الخطاب النقدي في مقارباته وفق الأسئلة المطروحة عند – فوكو - والعمل على إبراز أهم السمات التي تميز خطابه النقدي، وإلى أي مدى تفوق في إنتاج خطابه النقدي المتفرد عن مدارات اشتغال الآخرين.
الجيلاني علوان لا يفصح صراحة عن استخدامه لأي من المناهج النقدية عند صياغة مقارباته تلك، وهذا لا يعني غياب المنهجية، بل على العكس فهو يسعى بكل ما أوتي من معارف قديمة وحديثة بقصد الإفادة من كافة إجراءات المناهج النقدية الحديثة وبما يسعفه ويمكّنه من استنطاق النصوص واستجلاء أغوارها دون أن يصدر عنه ما ينقضه أو ما يشوه صورته كناقد متمكن وحصيف.
يؤمن بأن لكل نص أدبي طبيعته وكينونته الخاصة.
- كما يؤمن أن قيمة الفن الحقيقي تكمن في احتفاظه بجوهرية الموقف الإنساني الخالد ورؤيته للكون، وحضوره إزاء الواقع بكافة ظواهره.
مثل هذا اللون من النقد ينبغي أن يجد طريقاً إلى النقد المعاصر، لأنه يصدر أولاً عن إيمان عميق بجدوى الحداثة بما هي خروج وانفتاح وتحرر من كل القيود والقوانين التي تحول دون الخلق والإبداع والتجديد والتجريب ، ولأنه يصدر ثانياً عن ذوق رفيع وحس لغوي مرهف ، وثقافة واسعة ، وهو نقد يحفظ للنص روعته ، ويدفع القارئ إلى متابعته ويشجعه على الرجوع إليه ، ليستمتع به ، ويجد لذة لا يجدها في نقد يتخذ من الأسباب ما تأباه طبيعة الأدب الرفيع ، غير أن الإشارة إلى هذا الجهد النقدي لا تمنع كاتب هذه السطور من تسليط الضوء على بعض أوهام الحداثة التي وقع فيها علوان الجيلاني أثناء اشتغالا ته، ولعل أبرزها وأجلاها التعامل مع قصيدة النثر باعتبارها المنجز الأرقى لمشاريع الحداثة العربية، ولعل الجيلاني انجر- بلا وعي منه - وراء مواقف شعراء قصيدة النثر من النقد والنقاد.. الأمر الذي جعله يتعاطف معهم، ويعلي من شأن ما يكتبونه، مع أن الإشكالية قد لا تكمن في عدم احتفاء النقد بهم، وبما يكتبونه من نصوص؛ بل ربما تكمن في رداءة ما يكتبون، الأمر الذي يجعل امرأ القيس أكثر حداثة منهم في أفئدة المتلقين وأعينهم.
ومما يؤخذ على الجيلاني في كتابه (أصوات متجاورة) أن الشاعر في علوان الجيلاني وليس الناقد هو من يطلق بعض الأحكام النقدية – أي إنه يقوِّم الشعر وفق ذوقه أو طريقته في الكتابة غير أن ذلك لا يشكل خطابا ملموسا في أحكامه النقدية فهو قليل ولا يقاس عليه قد يجده القارئ بسهولة حين يقرأ ما أنجزه علوان الجيلاني أثناء استنطاقه لتجربة جميل حاجب وهذا لا يقلل من أهمية الكتاب بل أنه يضفي عليه بهاء ورونقا واعتلاء، ولعل الإنسان المتوثب في أعماقه يدفعه لتسليط الضوء على حياة المبدعين بما فيها من تشظ ومعاناة وبؤس، وهو ما يميزه وما يجعلني أتذكر – في الحال – قوله / الشاعر:
أريد لهيبتي صيتا
لصوتي أن يطم.....
وأن
أكون
أنا
ويكفي من البيان ما يدهش العصافير....
الهوامش:
(1) الثقافة والثورة في اليمن. عبد الله البردوني – ص 46 8
(2) من حوار مع د. عبد العزيز المقالح، أجرته د. وجدان الصائغ ... وهو مثبت في كتابها النقدي مباهج النص


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.