وكان النص الفلسفي - بعد تلك التصورات البدائية حول الكون وما وراءه - هو مركز العقل الكوني كله وإشكالياته، وبالتالي كان الجدل داخله حامي الوطيس، والمتضادات تزداد جلاءً يوماً بعد يوم، وتأسيساً على تلك المكانة المعملية للثقافة العلمية تخصبت الآراء وتعددت الاتجاهات، وظهرت العلوم أو طغت إلى الذهنية البشرية الثقافة العلمية والثقافة الأدبية، والتي بدورها تفرعت إلى فروع غزيرة اتخذت كل منها نصها المائز. وهذه الآراء والاتجاهات كانت بعضها صائبة وبعضها غير صائبة من وجهة نظر أصحابها، وبعضها باطلة أو صائبة من وجهة نظر معارضيها، وبين هذه وتلك ظهرت النصوص النقدية الصائبة والباطلة، ومن أهم النصوص التي واجهت معارضة ونقداً هي الرسوم والنحت وفن المسرح والتمثيل ورسوم الكاريكاتير وغيرها من النصوص التي أوجدت معارضيها ونقادها، وخاصة من حملة الفكر أو العقل الكاذب والمخادع والمتاجر. ويمكن القول بأن هناك النصوص المتسلطة والنصوص المهيمنة، والنصوص الناعمة والنصوص الخشنة، والنصوص الداعية إلى التآخي والتوافق والسلام والنصوص الداعية للحقد والكراهية والحروب، وهناك النصوص القامعة والنصوص المقموعة، وهناك النصوص الاستسلامية ذات الطابع العبودي المختار والنصوص الحرة، وهناك النصوص الحداثية والمتمدنة والنصوص التقليدية، وهناك النصوص المهذبة وهناك النصوص المنافقة، ولكل نص من هذه النصوص نصوص نقدية . وإن جميع النصوص أياً كان نوعها في إطار الثقافة العلمية والثقافة الأدبية تنفست فقط عبر معارضتها ونصوص النقد التي رافقتها وحملتها على أكتافها بهدف تهذيبها وترقيتها من مستوى أدنى إلى مستويات أعلى. ومع نهاية القرن التاسع عشر تجلى الانقسام في متن الثقافة الأدبية بين اليمين الرأسمالي واليسار الاشتراكي، وفيما بين هؤلاء تجلى النص الوسطي أو الذي أطلق عليه الاشتراكيون الراديكاليون بالنص الانتهازي، ومع النمو والتطور الاقتصادي الكبير والموسع تطور النص بصورة مذهلة، أكان نص الثقافة العلمية أو نص الثقافية الأدبية، ومعهما تطور النص النقدي أو نقد النص بكافة أشكاله وأنواعه وميادينه. وحتى تصل فكرة نقد النص بصورة جلية إلى القارئ فإن الأزمان الاجتماعية القديمة أو البدائية شكلت خلفية لدرب النص ونقد النص؛ حيث أنتج العقل في تلك الأزمنة الطوطمية والتابوات كنصوص مقدسة ومحرمة ومجرمة معارضتها ونقدها، ولقي العديد من البشر مصائر بشعة ومأساوية جراء ذلك، والتغيرات التي جرت في سياق نشوء ونمو وتطور النص في الأزمنة الاجتماعية ما بعد الطوطمية والتابوات كنصوص هو ظهور الطوطمية والتابوات بأشكال جديدة لا تختلف من حيث جوهرها ووظيفتها التخريفية، ولكنها لبست ثوب «الكهنوتية» و«ادعاء الحاكمية الإلهية» وكانت عدوانية أكثر من السابق تجاه نقد النص. وهذه الكهنوتية النصوصية دفعت بالمتسلطين إلى الجمع بين السلطة الطوطمية والحياة السياسية العادية، وخلقت لنفسها مكاناً مقدساً ونصوصاً تجيز هذه القداسة، واعتبر نقد هذا النص دنساً يستوجب العقاب. وعشية بزوغ عهد الدولة، الرأسمال الأوروبي والأمريكي بعدئذ، ظهر نص علوم الرياضيات والهندسة التي تحولت إلى زلزال ثم إلى تسونامي هز بقوة عنيفة النص الطوطمي التابواي والبطريركي الكنسي المهيمن على ذهنية الناس واستعراض الصراع الدامي بين هذين النصين، ووصلت نتائجهما إلى كل المجموعات البشرية على ظهر كوكب الأرض. وقد سجلت رواية «عزازيل» ليوسف زيدان بعض تجليات هذا الصراع وموقف سلطة الدولة منه، فرسم هذا المشهد بريشة بديعة إذا انتصبت «هيباتيا» كحاملة للنص العلمي المكتسح للساحة الثقافية، كانت «هيباتيا» - عالمة الرياضيات والفلسفة والهندسة في الاسكندرية - هي المعادل الموضوعي للثقافة الكنسية. رابط المقال على الفيس بوك