(17) تقسيم النص الثقافي الأدبي في القرن العشرين ونقيضه النص النقدي إلى نصين أساسيين جغرافياً, النصوص الأوروبية التي تجاوزت هيمنة النصوص اللاهوتية الكهنوتية ورضخت لمفاهيم النظام الرأسمالي, الحرية والديمقراطية والليبرالية والنصوص الشرقية الغارقة في ذهنية التخريف والتحريم والتجريم, هو من قبيل التحديد والتوضيح للفروق الشكلية والجوهرية لكليهما وللنص النقدي التكميلي “النقد التلميعي” والنص المثير للاهتمام والشاحذ للهمم والقلق إضافة إلى وظائفهما الاجتماعية والسياسية في خدمة الأفراد ومصالحهم المتنوعة والمختلفة والمتضادة. ويمكن القول بأن النص ينتمي اجتماعياً إلى(1) النص الأولي الذي ينتجه ويعيد إنتاجه المزارعون والريفيون والطبقات السفلى, وقد يكون نصاً مكتوباً أو نصاً شفاهياً, ويشكل هذا النص ذاكرة المجتمعات التي مازالت لها روابط ثقافية مع البداوة والبدائية والقبائلية والنص النقدي يكون منسجماً مع طبيعة الحياة المعيشية للوحدات الاجتماعية, فمثلاً المتشردون في الشوارع ينتجون النصوص الشفاهية التي تعكس نمط حياتهم المتشردة, والمهمشون على اختلاف أنواعهم على النطاق العالمي ينتجون نصاً يتناسب ونسيج علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية, غير أن النص النقدي في حالة هؤلاء لايكون مثيراً للاهتمام أو مجلباً للقلق وبالتالي فهو ساكن لاتحركه سوى مواسم الهجرة من مستوى إلى مستوى آخر مغاير. (2) النص الوسطي الثقافي الذي تنتجه الطبقة الوسطى والشريحة المثقفة, وهي النصوص الواسعة والأكثر حضوراً في المسرح الاجتماعي والثقافي وأعتقد أن هذا النص هو الذي أثار الجدل في الثقافة الأدبية المحلية والعالمية. ويتطور هذا النص في ظل استقرار النمو الاقتصادي والاجتماعي ويتحول إلى كومة من النفايات كلما اهتزت مكانة الطبقة الوسطى.. ومن الأمثلة التي نعيشها انهيار الطبقة الوسطى في بلدان النزاعات المسلحة والتي أدت إلى نشوء فجوة مهولة بين الأغنياء والفقراء وبالتالي نشأت الفجوة في نص الطبقة الوسطى التي تراجعت طبقياً هي الأخرى مما أدى بمثقفي هذه الطبقة إلى البحث عن وسائل ناجعة للسيطرة على المكانة الاجتماعية والكرامة وهي متقدمة عن إنتاج النصوص الجيدة والنصوص النقدية القادرة على تقويم النصوص الرديئة ومقاومة النصوص الفاشية التي تفشت بصورة ملفتة للانتباه. وتعتبر الطبقة الوسطى أنشط الطبقات الاجتماعية التي أنتجت النصوص في الثقافة العلمية والثقافة الأدبية كما أنها أكبر وأنشط الطبقات في إنتاج النص النقدي, ففي مصر وشمال افريقيا أنتجت هذه الطبقة الشعر والمسرح والسينما والقصة والحكاية والرواية والمقال الفلسفي والاقتصادي وأحدثت تراكماً كثيفاً للنص ونقده, ودارت معارك جادة في إطار هذه النصوص وصلت بعضها إلى حافة الجنون حينما واجهت النصوص وصلت بعضها إلى نصوص السيد القمني وحامد أبو زيد ونجيب محفوظ وفرج فودة وغيرهم من الكتاب. (3) النص الأكاديمي ونص الطبقة العليا أو النص الارستقراطي وتنتج هذه الشرائح نصوص ممنهجة بعضها مدرسية بحتة وبعضها الآخر يستخدم اللغة المتعالية التي لاصلة لها بنصوص الطبقة السفلى أو الطبقة الوسطى, ولا صلة لها بالحياة خارج النطاق الاجتماعي, فالنص الأكاديمي يظل مطوق من كل الجهات بالجامعات والمعاهد والمعامل العلمية المتخصصة ومن الصعوبة بمكان الوصول إليه أو حتى إنتاج نصوص نقدية جيدة من خارجه, ومن الأمثلة على تلك النصوص المتعالية, الغرام المبالغ فيه في البلاطات للتحدث في اللغات المختلفة عن اللغة المحلية, فالروس كانوا مغرمون في التحدث, أثناء احتفالات الطبقات الارستقراطية, باللغة الفرنسية وهي ميزة تميزهم عن الآخرين.. والنص الأكاديمي في الجامعات حينما كان من الصعب الوصول إليه من قبل الطبقات الدني هو نصاً نخبوياً عال المستوى, وحينما هبت رياح التغيير العالمي على النصوص والذي افتتحه “البيان الشيوعي الأول” الذي أنتجه عضوا الطبقة الارستقراطية(ماركس وانجلز) تهشمت جمجمة نص هذه الطبقة ليصبح في متناول النص النقدي. رابط المقال على الفيس بوك