اختلاف حوادث التاريخ وتجاربه، جعل الشعوب تختلف في شعورها ومزاجها وحسها الثوري التحرري الذي يتشكل ضمن سياق تطور الوحدات الاجتماعية والإنسانية في هذا الشعب أو ذاك..! والمعروف تاريخياً وعلمياً أن الشعوب لا تتشابه ولا تستوي في حيويتها وديناميكيتها وروحها الثورية التحررية.. فهناك شعوب شبه ميتة من الصعوبة أن تنفخ فيها الروح والحياة..وهي وإن نهضت فجأة بسبب رياح عابرة فإنها سرعان ما تهمد وتستسلم، ذلك أن هذه الشعوب الميتة من السهل أن تروضها وتخضعها أية قوى أو مراكز نفوذ مالية أو عسكرية أو دينية وأن تقودها إلى بيت الطاعة والولاء..! هذا النوع من الشعوب عاشت تاريخياً معزولة ولم تحتك بالشعوب والأمم الأخرى، وظلت هكذا متقوقعة في دهاليز التخلف وبادرومات العلاقات القبلية الماضوية التي لا تحترم إرادة الإنسان وتتعسف حريته وتطلعاته..! فالولاء هنا لشيخ القبيلة الجاهل، يستوي في ذلك العالم والفقيه والمواطن المؤهل رجلاً أو امرأة، ولا حياة لمن تنادي، إذا كانت لدينا حتى اليوم وبعد أكثر من خمسين عاماً ثورة لاتزال حالات كثيرة من الرق والعبودية ولايزال الشيخ يمتلك حق ضرب القيود على مواطنيه أو رعيته الذين ملكهم كالبهائم.. هذه هي الشعوب الميتة المسلوبة الإرادة، حتى إذا ما هبت عليها الثورة تحركت ولكن كحركة فقاقيع سرعان ما تتلاشى لتعود مطيعة تقودها قوى تقليدية وتسوقها كالقطيع إلى حيث تشاء..! لذلك فالثورات بالنسبة لمثل هذه الشعوب الميتة هي حالات عابرة تشبه الوهم..! لكن هناك أيضاً شعوب حية تتمتع بثقافة تحررية وروح ثورية متوثبة لا تخضع للاحتواء أو تستسلم للسكينة..! وهذه الشعوب الحية هي من تصنع الثورات وتظل في حالة ثورة مستمرة لا تستكين إلى أن تحقق أهدافها الثورية.. وعندنا مثلاً الشعب المصري والشعب التونسي وكذلك يفعل الشعب السوري، لذلك نجد هذه الشعوب لا تكل ولا تمل من النزول إلى الشارع والساحات لخوض الفعل الثوري من أجل التغيير المستمر..! وبنفس المستوى نتابع الحراك الجنوبي الذي يواصل مطالبه منذ أكثر من ست سنوات دون أن يكل أو يمل أو يخمد، بل على العكس فهو يتطور ويتوسع بصورة عجيبة ومدهشة؛ لأنه لا يخضع لمشايخ القبائل أو إمعات الدين أو عسكر الفيد والغفلة..! يبقى أن نتأمل حال ثورة الشباب السلمية في ساحات التغيير وما وصلت إليه من جمود وعدم فاعلية.. فما إن اندلعت واستبشرنا خيراً حتى استكانت وأصاب الناس الملل والعجز وكأنهم استسلموا لهيمنة واستبداد القوى القبلية والدينية والعسكرية المتخلفة التي تنتمي روحاً ووجداناً لمعسكر النظام السابق أياً كان موقفها اليوم ومهما ارتدت لبوس الثورة..! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك