كثيرٌ جداً الحبر الذي أساله السودانيين لأجل عيون الموسيقار ناجي القُدسي.. هذا السودانيّ اليمنيّ الذي اختار اليمن مقبرةً لعبقريته الفذّة منذ أربعين عاماً وثمانية أشهر. هذا الصوفيّ ذو اللحية الكثّة البيضاء الذي نلقاه صباح كل يومٍ في شارع المطاعم قرب ميدان التحرير بصنعاء جوار وزارة الثقافة.. كان المبدع الوحيد الذي استثنته كل التكريمات التي قدمتها وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات الرسمية والأهلية خلال العشرين عاماً الماضية. لن يصدّق أحدٌ من رواد شارع المطاعم الذين يشاهدون الصوفيّ النحيل صباح كل يوم أنه واحدٌ من أهم علامات الموسيقى في الوطن العربيّ بشكلٍ عام وفي القطر السودانيّ الشقيق بشكلٍ خاص. الموسيقار الكبير ناجي القُدسي صاحب عشرات الألحان التي يحتفل بها وجدان السودانيين وعلى رأسها لحن «الساقية لسه مدوّرة» الذي سقط على أنغامه النميري.. هو ناجي محمد عبدالله الهيثمي، والده من قرية الحدّالة بالعدين محافظة إب، والذي انتقل إلى السودان باحثاً عن الرزق منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي حيث تزوج من شرق السودان، وأنجب مجموعةً من البنات والأبناء هناك. ولد الموسيقار ناجي القُدسي في السودان ونشأ متشبعاً بتراث ذلك البلد الذي يتميّز بالعراقة والتعدد والتمازج الثقافيّ، فكانت موسيقاه خير معبّرٍ عن تلك السمات.. وقد غنّى له كبار المطربين في السودان من أمثال الفنان الكبير حمد الريّح المشهور بلحن الساقية، وغنى له الفنان الكبير التاج مكي، وغنّى له السر نايل والجيلي البادرابي والجيلاني الواثق، وعبده الصغير والبخيت ومحمد اللمين والعملاق مصطفى سيد أحمد. وفي اليمن أنجز الكثير والكثير، رغم أن المناخ لم يكن مواتياً؛ لأن ميدانه الحقيقي هو السودان التي تشبّع بثقافتها والسلّم الخماسي الذي تربّى عليه. اليوم يخوض مجموعة من الكتاب السودانيين منهم صلاح شعيب ويحيى فضل الله ويحيى قباني وماجد مبارك وغيرهم كثير معركة من أجل إعادة الاعتبار لهذه القامة الفنية المظلومة، بينما نحن الذي يعيش بيننا مازلنا مصرين على تجاهله ونسيانه.. والسؤال هو أين وزارة الثقافة التي يقطن الموسيقار ناجي القُدسي غرفة صغيرة بائسة على بُعد خمسين مترٍ منها.. سؤال نوجهه للدكتور عبدالله عوبل وزير الثقافة.. فهل من أذنٍ صاغية! رابط المقال على الفيس بوك