“ قل هو من عند أنفسكم” مخاطر تضخيم الوعي بنظرية المؤامرة إذا كان من الحماقة إنكار وجود المؤامرات الخارجية والداخلية فإن الحماقة الكبرى هي الاستسلام لنظرية المؤامرة، فمخاطر هذا الاستسلام لا تتوقف عند حدود تخدير الشعوب وإعاقة فاعليتها والايحاء اليها بأن كل شيء مرسوم وأن الرأس الأكبر قد خطط ما ترك شيئا أو فرط.. بل لعل أبرز مخاطرها أنه في الوقت الذي تساهم فيه هذه النظرية في تخدير الفعل العام فإنها تقوم باستفزاز بعض العصاميين من المتطرفين ودفعهم الى ممارسة العنف ضد الآخر الذي يتوقعون أنه يستهدفهم ويتآمر عليهم في كل صغيرة وكبيرة، ولهذا يقال: إن هتلر كان من أكثر من يعتقد بنظرية المؤمراة وأن هذا الاعتقاد من أهم دوافعه لممارسة جرائمه النازية وجميع الجماعات المتطرفة هي مسكونة بهاجس المؤامرة بصورة كبيرة وغير واقعية وتعتقد أنه لم يعد أمامها من خيار غير الخيارات العدمية والعمليات الانتحارية. وعلى ذلك فإن تضخيم الوعي بنظرية المؤامرة ينتج عنه أمران: الأول ترسيخ ثقافة السلبية والاستسلام في الفعل الشعبي العام نتيجة الاحساس بالضعف تجاه الطرف المتفوق تكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا،، الأمر الثاني: تحول هذا الشعور بالضعف إلى حالة احتقانية هوسية حادة لدى البعض فتظهر جماعات تتبنى العنف الأعمى الذي لا يحقق نصرا بقدر تحويله الضحية الى جلاد. والاعتقاد بالقوى الخفية التي تسّير التاريخ سواءٌ كانت جبرية إلهية او بشرية مجهولة هو أبرز ما يعوق ثقافة التنوير، فالتنوير ثقافة الايمان بالارداة الشعبية وليس في ذلك إلغاء للارادة الالهية، لأن الارادة البشرية تتصرف وفق القوانين والسنن الكونية التي سخرها الله للبشرية العاقلة . والاستنارة ليست حزبا ولا ايديولوجيا، هي ثقافة تتلخص بالاعتقاد بالارادة البشرية وتعزيز الشعور الفردي بالقدرة على الفعل والشعور بأن الفضاء الخارجي عبارة عن محيط قابل للتشكيل وفق لقوانين التسخير الكونية "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". وخلاصة القول: علينا عدم الاهتمام بالبحث عن أسباب لمشاكلنا خارجة عن إطار قدرتتنا وسيطرتنا لو بحثنا عن الاسباب التي في مقدورنا أن نعالجها، وبدأنا بالمعالجة، سنجد أن اصلاح الممكن يفتح فضاءً لممكن جديد كان من قبل غير ممكن، في حين أن الاهتمام بالأسباب الخارجة عن اطار السيطرة تكرس الإحساس بالعجز وتساهم في تعميق اليأس. هذا هو الدرس الواجب استفادته من قوله تعالى:"أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ. يقول الفيلسوف برناردلويس:“إنه حين يتحقق الناس من أن الأمور من حولهم تسير في اتجاه خاطئ، فإنهم يسألون أحد سؤالين: الأول: ما الخطأ الذي ارتكبناه..؟ والثاني: من فعل هذا بنا..؟" السؤال الثاني يقود إلى نظرية المؤامرة والبارانويا أو مشاعر العظمة قرينة الاضطهاد، ويفضي السؤال الأول إلى مسار آخر مغاير في التفكير: كيف نصحح الوضع..؟ رابط المقال على الفيس بوك