ما أصعب هذا السؤال؟! فإجابته صعبة، حتى مجرد التفكير فيها صعب؛ لأنه لا توجد أي إجابة يمكنها أن تفي بالرد على هذا السؤال، ربما لأهميته وعظمته، وربما لأن أي إجابة عليه لن تكون مقنعة أبداً، وستكون مجرد سد فراغ، أو محاولة للإقناع. فنحن نتحدث عن نساء يمنيات عظيمات، عظيمات فعلاً، وهن مصدر فخر لأجدادنا وآبائنا ولنا ولأولادنا والأحفاد وأحفاد الأحفاد، عشت مع هؤلاء النساء، وعملت معهن، ولهذا أجد نفسي عاجزة عن مجرد التفكير بإجابة لهذا السؤال عنهن. أولهن (فاطمة العاقل): المرأة الأمة، الإنسانة التي جعلت من الكفيفة في اليمن مبصرة تتحدى بها الوطن العربي والعالم، الإنسانة الوحيدة التي جعلت من حرفي كائناً صغيراً ينظر إليها بخجل ليوقف نفسه أربع سنوات في كتابة قصة حياتها في كتابي بعنوان (امرأة بأمة)، والذي لم يصدر، وتوفت قبل أن تراها، القصة التي تدهشني كلما قرأتها وتبكيني حتى تبلنني دموعي، والتي برحيلها خسرت اليمن وخسرنا وخسرت الأمة امرأة لن تتكرر؛ لأنها رحلت ولم تعش يوماً لنفسها. وتلتها (جمالة البيضاني): المرأة اليمنية العظيمة، التي انتزعت المرأة اليمنية المعاقة، التي كانت تحبس في بيتها خوفاً من عارها؛ لأنها معاقة، حتى تموت كمداً ووهبتها الحياة والروح، وجعلت منها رائدة، كل ذلك مقابل عمرها وصحتها وشبابها وكل ما تملك، ثم لترحل، وأنا لم أرسل تلك القصة التي طلبت مني كتابتها عن حلمها بأن لا تبكي معاقة في اليمن. وتأتي أم الأيتام (رقية الحجري) التي احتضنت يتيمات اليمن، وكانت لهن أماً أكثر من أولادها، وجعلت من قلبها بيتاً وسكناً وملاذاً حتى آخر نبض فيه، في حين نعجز نحن عن تحمل أولادنا، وضحت بصحتها وعمرها وراحتها ومالها وحياتها لتصبح أماً وأباً وعائلة ومدرسة وجامعة ومستشفى ومربية ومعلمة لآلاف اليتيمات، والتي أذهلتني عندما استدعتني لكتابة قصص اليتيمات التي أفقدتني صوابي عندما سمعتها، فمن تلقى على قارعة الحدود لتمشي حافية في الصحراء حتى تتمزق أقدامها وتغمرها الدماء، ومن تتزوج لرجل شائب مقابل دَين، وقصص لا يصدقها عقل، لتصنع من تلك الأحزان طاقات من النجاح والتفوق والإبداع، فأطال الله عمرك يا رقية. (وهدى اليافعي): المرأة العظيمة في كل شيء التي تحمل ذكاءً وفكراً قد يفوق كل نساء اليمن في الجمعيات والمنظمات والمؤسسات والاتحادات التي تجسد المرأة اليمنية في قمة نبوغها وإنسانيتها، وهي تحيل من كل شيء صامت جامد في مؤسستها (انهض) أنشودة للحياة، وأتمنى أن يسمح لي عمري أن أصنع بحرفي وقلبي معها شيئاً، أطال الله عمرها وفكرها.. فمن سيبقى إذا رحلن هؤلاء؟. لقد خسرت اليمن جزءاً من جسدها برحيل فاطمة وجمالة، ولن يتكررن أبداً، وأسأل الله أن يحفظ رقية وهدى، وأن يجعل من هؤلاء النساء ذخراً لليمن والأمة، وأنا أدعو لهن كل فجر مع طفلتي الصغيرة. يا أيتها النساء العظيمات من لليمن إذا رحلتن من هذه الحياة من؟ لا ياسمين ولا مليون امرأة مثلها.. رحم الله من رحلن وأبقى من أدعو لهن، ومن أتمنى أن تقتدي بهن كل امرأة يمنية حقيقية رابط المقال على الفيس بوك