ليس هناك ما يبرر ذلك النزق وتلك الانفعالات التي كشف عنها المنتقدون لقرار محافظ تعز شوقي أحمد هائل الخاص بتشكيل لجنة استشارية تضمنت ثلاثة عشر اسماً من مشائخ المحافظة. وليس هناك ما يستدعي انتقاد مثل هذا القرار؛ كون القرار يصب في مصلحة المحافظة، ويستهدف تعزيز الشراكة المجتمعية بين هذا المكون «المشائخ» من مكونات المجتمع وبين قيادة السلطة المحلية، لاسيما وأن للمشائخ في ظل واقعنا الحالي دوراً لا يمكن تجاهله في التأثير على الناس في مختلف الأحداث والإسهام في حل القضايا الاجتماعية التي تبرز هنا أو هناك في تعز أو في غيرها. وكما أن هناك لجاناً أخرى مختصة في العديد من المجالات وتضم أسماء من مختلف المكونات المجتمعية الأخرى وتعنى بوضع الدراسات والخطط التي تسهم في تعزيز قيم البناء والتنمية فإن هذه اللجنة الاستشارية لها مهامها الاجتماعية البحتة كما قال المحافظ وستهتم بالقضايا الاجتماعية الموجودة في بعض المديريات ووفقاً للنظام والقانون.. لقد حدد القرار مهام اللجنة الاستشارية وحصرها بالنظر في القضايا والاختلالات الأمنية والظواهر السلبية المؤثرة على الأمن العام والسكينة العامة للمجتمع وإبداء الاقتراحات والحلول الكفيلة بوقف تلك الاختلالات والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة والتخريب والقتل والتقطع والعنف وكافة الظواهر المخلة بالأمن والمعيقة للتنمية.. قد يقول أي شخص: إن هناك دولة ولديها أجهزتها المختلفة التي تختص بمعالجة السلبيات، وينبغي على الدولة أن تفرض سلطتها وهيبتها دون الحاجة لتدخل المشائخ أو أي جهات أخرى أياً كان شكلها أو نوعها.. وقد يتفق الكثيرون مع هذا الطرح إلا أنه من الضروري هنا التذكير بطبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد وما تسببت به الأحداث التي شهدها اليمن خلال العامين المنصرمين، ولا ننسى كذلك طبيعة اليمن وخصوصيتها عن باقي الدول والمجتمعات الأخرى، كما ينبغي التذكير والتأكيد على أن الدولة ودون تعاون وإشراك الشخصيات الاجتماعية ومختلف أبناء الشعب من أكاديميين ومثقفين وعلماء دين وغيرهم لن تستطيع حل وتجاوز مجمل الاختلالات والمعوقات التي تواجه عملية التنمية وتعيق بناء الدولة.. الظروف المحلية التي تمر بها تعز وغيرها من المحافظات اليمنية تستدعي التعامل معها بحكمة وروية وعقلانية بعيداً عن الانفعالات والشطحات وبعيداً عن لغة الإقصاء والإلغاء التي لن تسهم في حل الاختلالات السائدة بقدر ما ستعمل على نشوء اختلالات جديدة نحن في غنى عنها في ظل المشاكل والخلافات المتسيدة والتي يتجه الجميع لإيجاد الحلول لها اليوم. أتفق مع كل من يقول بأن هناك من المشائخ من فرض نفسه سلطة فوق الدولة، وأن هناك من لا يحترمون لا قانون ولا نظام، إضافة إلى انتهاكاتهم الممارسة ضد الإنسان، ولكن هذا لا يمكن تعميمه على الجميع فهناك مشائخ أكثر التزاماً بالقانون وأحرص على حل كل الإشكالات والإسهام في وضع المعالجات لها.. وينبغي إشراكهم في إبداء الآراء والاقتراحات والحلول التي تعزز من قيم البناء وتلافي كل المعوقات والاختلالات التي تؤثر على التنمية.. ومن هذا المنطلق فإن اختيار لجنة استشارية من الشخصيات الاجتماعية المؤثرة سيعزز من قيم الشراكة الحقيقية والاتجاه صوب إرساء معالم الدولة المدنية على قيم المساواة والعدالة والحكم الرشيد.. ومع ذلك فإن الرقابة الشعبية على هذه اللجنة أو غيرها لن تغيب أبداً، وينبغي على أعضاء هذه اللجنة إدراك أن الشعب يتجه صوب بناء دولته المدنية، ويجب أن يكون هؤلاء سنداً وعوناً لتحقيقها والإسهام في بنائها.. الرقابة الشعبية هي الكفيلة بإيقاف كل من يحاول استغلال موقعه أو الالتفاف على النظام والقانون وعلى مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك