أن تتحدث عن ثورة حقيقية , فلا شك أنك تعني فلسفه وفكر ورؤى وقيادة فاعلة وأهداف محققة , وأن تتحدث عن استمرارية ثورة فمعناها أنك تتحدث عن المضي قدماً بنفس النهج والنسق , أما إن تتحدث عن ثورة يديرها مشروع غربي بأيادي عربيه مرتهنة على أنها ثورة حقيقية فأعلم أنك مخدوع أو صاحب مشروع !! وأن الثورة تم استثمارها واستئجارك فيها , فما يجري لثورات الربيع العربي لا يعدو عن كونه استغلالاً غربياً للغضب العربي لصالح مشاريعه الاستيطانية , ليصبح الشعب العربي وثوراته أداةً للسيناريو الغربي الذي ربما لم يكن مستعداً لثورات الربع العربي لكنه تداركها , فبدأت ثوراته عربية لتنتهي غربية بإمتياز !! جاءت ثورات الربيع العربي من رحم الإستبداد والظلم , وغضب تلك الشعوب التي خرجت هو غضب حقيقي, و رغبتها في التحرر من قيود الإستبداد رغبة حقيقية أيضاً , لكن ثمة شيء يستوقفنا للنظر لما آلت إليه تلك الثورات في جميع الدول العربية وذلك الفرق الشاسع بين أهدافها وما هي عليه الآن !! فلا شيء تغير ولا شيء تحقق في طريق البناء , فجميعها مازالت ترزح في ظلمات الإستبداد والظلم , ويوماً عن آخر نكتشف أنها جميعاً أصبحت ساحات لإدارة المشاريع الخارجية من خلال الفوضى التي تُعد بيئة خصبة لذلك , وهذا ما يجعلنا نقول بضرورة إعادة النظر في أمر تلك الثورات فما زال الوقت مبكراً لتدارك الأمر , وطول الوقت لا يعني شيئاً طالما وهى تسير على منهج سليم وليس أدل على ذلك من الثورة الفرنسية التي استمرت عدة أعوام , وهي أحد أعظم الثورات التاريخية . ولست أقلل من شأن الثورات العربية ولا من شأن الشهداء والأرواح التي حصدتها تلك الثورات حين أقول بأنها ثورات ناقصة أو أنصاف ثورات , لأنها فعلاً كذلك وربما أكون الأشد انصافاً لها وللشهداء والجرحى والمعتقلين حين أفعل , فتلك الأرواح ستغدو في مهب الريح إن عُدنا للمربع الأول خائبين , فثمة خلل غير مسارها ووجهتها , ويكمن ذلك الخلل في ثغرة كبيرة وهي افتقار تلك الثورات إلى الوعي الكافي بماهية الثورة , وإلى خلوها من قادة الفكر والفلاسفة ونخب المثقفين والقيادات الفاعلة , وهؤلاء يشكلون البؤرة الأساسية في نقص تلك الثورات , إذ كيف يتم الركون إلى شعوب تفتقر للوعي الكافي بماهية الثورة للوصول بها إلى مربع الحرية والخروج عن الاستبداد في مواجهه القوي السياسية الظالمة !! وكان لا بد من إجراء توازن القوى أولاً , ومن ثم تقييم الثورات , إلا أن ذلك لم يتم , فمضت الثورات خبط عشواء بلا رؤية إلى حيث لا تدري , وكالعادة أستثمر الغرب تلك الثغرة بإمتياز , فهم يعلمون تماماً أن تلك الثورات تشكل تهديداً حقيقياً لوجودهم ولمخططاتهم الاستعمارية في الشرق الأوسط الذي يتربع على عرش أكبر مخزون نفطي في العالم , ولذا كان لابد من الانقضاض عليها وإعادة توجيهها بما يناسب مشاريعهم الخاصة ويجنبهم غضب الهبة الشعبية , وساعدهم في ذلك الإعلام العربي العميل الذي هيأ لدول الربيع العربي أنها ثورات حقيقية شعارها الحرية والكرامة والديمقراطية بينما هي تمضي إلى حيث لا حرية ولا كرامة ولا حتى حقوق !! وهنا تخلص الغرب من الزعامات العربية بعد أن قضى حاجته منها وراح يخطط لأنظمة إسلامية يستطيع من خلالها السيطرة أكثر على الشرق الأوسط بحجة أن تلك الأنظمة هي أنظمة إرهابية , ومن خلالها وبمساعدتها يمكن تمرير كافة المشاريع وإعادة تشكيل الخارطة بما يناسب الأطماع الخارجية والشرق الأوسط الجديد . وعليه فنجاح الثورات يستلزم وقفة جادة على أخطائها, بعيداً عن أي مغالطات أو زيف لتغدو ثورات حقيقية وتحقق أهدافها الصحيحة , مالم فإنها تدور في حلقة مفرغة , وعظم الله أجر شهدائنا . [email protected]