في الحياة العامة نحن نتبادل عبارات ربما أغلبها يدخل في بند المجاملة، وتبديد الوقت، وهجر كل ما هو مهم إلى ما ليس مهماً، ومجانسة العبارات من أجل اعتياد عائلي، أو مناطقي، أو مجتمعي! لا أريد أن أجرد الحياة اليومية، والتواصل الإنساني من عبارات المجاملة، التي تبعث في الروح الاسترخاء والسكينة والإحساس بالتواصل، ولكن قد تكون متجاوزة كثيراً جداً لواقع الشخص الداخلي، والنفسي والشعور الحقيقي تجاه الآخر! وهي في مجملها تختلف من منطقة إلى أخرى، من حيث المفردات ومن حيث تزايد هذه العبارات وكثافتها، وترادفها. عبارة (أفديك بروحي) أو (أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا)، لا أعرف لماذا تذكرتها بالتحديد على وجهيها، وجه اللحظة التي تنطلق فيها من داخل الوجدان كتعبير لحظي، ونبض حسي، وسكون فكري... لحظة سيطرة الآخر عليك... لحظة ارتباك حقيقية يعيشها من يستشعرها... لحظة حضور صاخب للطرف الآخر لديك، ومشاطرة لكل الحياة بتفاصيلها، (ما تشعر به أنت لا ما يشعر به الآخر)؛ لأن الحب، والمشاعر في مجملها أحادية، أو فردية، حتى لو قيل: إن ذلك الحب من طرفين، والسبب أن كل فرد يحمل مشاعره، ولا يقيس خطواتها.... يعرف رنة صوتها، ويدرك خطواتها المرتبكة دائماً، والمنطلقة نحو الآخر... يشعر دائماً أنه كلما اقترب بمشاعره منه, كلما اتسع المدى أمامه ليجد نفسه باحثاً عن مشاعر أكثر، وإحساس أعمق لينطلق بها داخل هذا المدى، وفي المحصلة لا يعنيه ماذا لدى الطرف الآخر، حتى وإن حاول ضبط ساعة أحاسيسه عليها؛ لأن انطلاقه في اتجاه واحد دائماً، وعندما يتوقف، أو يشعر بالاصطدام أو بوادره سنجده يتحول بسرعة بداخله، وبما معه من عواطف ملتهبة إلى كتلة من مفردات التعبير للآخر... (خذ حياتي) إن تعرض لسوء أو مكروه، أو ناوشته لحظات ألم نجده ككل حبيب (لا معنى للحياة بدونك) (روحي فيك, إن غادرت روحك سأمووووووت). سيل من أريج مفردات الحب المنطلق بالنداء وعدم الرغبة في الحياة إلا بحضور الآخر، وبعافيته، وبتعاطيه مع السعادة والتفتح والأزهار! سلسلة من العبارات التي تحكمها مشاعر اللحظة اليوم، أو هذا الشهر أو العام! لكن ماذا بعد خمس سنوات؟ ماذا بعد سنة واحدة؟ عشر سنوات؟. هل ستشعر بهذه العبارات المغدقة، والمفرطة في تضحياتها؟ هل ستتمنى للآخر الأبدية والخلود، ولك الفناء؟ هل تريده أن يستمتع بالحياة وأضوائها، ودفئها، ولك ظلامها وأوجاعها, خاصة بعد أن انهارت قوى الحب وغادرت إلى غير رجعة؟. أسئلة كثيرة تظل سيدة الحضور بعضها مسالم، وبعضها مهاجم, وبعضها خطواته مرتبكة، وغائبة كتلك اللحظات التي فجرت منذ أزمنة، تلك العبارات باستعادتها لزمن ظل وسيظل مفقوداً!. رابط المقال على الفيس بوك