القيادة التنفيذية للانتقالي تبحث التحضيرات لعقد مؤتمرات اقتصادية وخدمية محلية ودولية    إحباط ثلاث عمليات تهريب سجائر وشيش إلكترونية وأغذية علاجية بتعز    الله في اليمن    ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 61 ألفا و897    بن حبتور والنعيمي يدشنان الاستراتيجية الثانية لجامعة الرازي 2025- 2030م    شرطة المرور تنبّه بشروط تزيين السيارات خلال فعاليات المولد النبوي الشريف    الرهوي : اليمن يفرض اليوم سيادته على البحر ومضيق باب المندب بقدراته الذاتية    مناقشة التجهيزات بساحتي الاحتفال المركزي للمولد النبوي في أمانة العاصمة    خوفا من العقوبات الدولية.. هائل سعيد يقدم تخفيضات جديدة (كشف)    وطن تُذبح فيه الحقيقة ويُقدَّس فيه الفساد    شبوة: الأمن السياسي بمأرب يمنع طفلتان وجدهما من زيارة أبيهما المعتقل منذ 8 سنوات    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    أفضل وأحسن ما في حلف حضرموت أن أنصاره اغبياء جدا(توثيق)    العميد جمال ديان آخر الرجال المهنيين والأوفياء    القنبلة التوراتية بدل القنبلة النووية    سيطرة العليمي والحوثيين على الانترنت خطر جسيم على أمن الجنوب وأبنائه    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    جمعية حزم العدين التعاونية في إب... تجربة رائدة في التمكين الاقتصادي    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    شركات هائل سعيد أنعم تعلن عن تخفيضات جديدة في أسعار الدقيق بدءًا من هذا اليوم السبت    تواصل الحملة الرقابية بالمحفد لضبط أسواق المحال التجارية والخضار والأسماك    الثائر علي بن الفضل الحميري    مأرب.. اعتقال صحفي بعد مداهمة منزله    مسؤولة أممية: الأزمة الإنسانية تتفاقم في اليمن والبلاد تواجه شبح كارثة انسانية    ترامب: اللقاء مع بوتين كان ممتازا    تخفيض رسوم المدارس الأهلية في العاصمة عدن 30%    إدارة مكافحة المخدرات تضبط مروج للمخدرات وبحوزته 60 شريطا من حبوب البريجبالين    الارصاد يتوقع امطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على اجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    أبو بارعة: مسؤولون في حجة يحوّلون الأجهزة الطبية إلى غنيمة    الرئيس الزُبيدي يعزي العميد عادل الحالمي في وفاة والدته    السيول تقطع حركة النقل بين ساحل ووادي حضرموت    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    قائد اللواء الثاني حزم يتفقد الخطوط الأمامية لجبهة كرش الحدودية    وقفة وإضراب جزئي لصيادلة تعز لمطالبة شركات الأدوية بخفض الأسعار    جواريولا يجهز رودري.. ويتمسك بسافينيو    موقع صهيوني: اليمنيون مستمرون في إطلاق الصواريخ    أضرار في تعز وتحذيرات من السيول بالمرتفعات    توترات غير مسبوقة في حضرموت    رايو فاليكانو يصدم جيرونا بثلاثية    اختتام الدوري التنشيطي لكرة القدم في نادي شمسان    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    كسر طوق الخدمات.. الرئيس الزُبيدي يقود معركة فرض الاستقرار    هل يُحسم أمر التشكيلات العسكرية الخارجة عن إطار الدولة في حضرموت؟    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    تريم على العهد: وقفة للمطالبة بالعدالة لدم الشهيد #يادين (بيان)    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    مارسيليا يسقط بالوقت القاتل ضد رين    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور المصري والدروس المجانية
نشر في الجمهورية يوم 15 - 01 - 2013

إن ثورة 25يناير2011م في مصر العظيمة تستحق في تقديري الاهتمام ، ومتابعة تطوراتها بعد مضي أقل من عامين عليها.ويجب علينا نحن اليمنيين تأملها ودراستها جيداً ، فهي تقدم لنا دروساً مجانية ينبغي على القوى اليمنية الرسمية والتقليدية المؤثرة في صناعة القرار السياسي وكذلك القوى السياسية على ضعفها عليهم جميعاً أن يحللوا المشهد السياسي المصري جيداً ، لتجاوز الأخطاء التي وقع فيها المصريون.ذلك على أقل تقدير لنبدأ من حيث انتهى الآخرون.
ولتعقيدات المشهد السياسي المصري وكثرة خباياه نكتفي بتناول موضوع وضع الدستور وما إذا كانت الجمعية التأسيسية التي أنيط بها وضع المسودة قد قامت بما يجب عمله لإخراج الدستور كما ينبغي له أن يخرج مرضياً لجميع المصرين أم لا ؟. وهل أن مدى القبول والرضى عن المسودة يتوقف على طريقة تشكيل الجمعية ومدى التوافق فيها ،ونوعية الأعضاء فيها؟ أم إن هناك عوامل أخرى تتحكم بالمخرجات ودرجة القبول والرضى؟.
وتمهيداً لذلك ينبغي التوضيح بأن ثمة اختلافاً كبيراً بين مفهوم الجمعية ومفهوم اللجنة المناط بكلٍ منهما وضع مسودة للدستور. فالأولى أي الجمعية عادةً ما تكون منتخبة إما بشكلٍ مباشرٍ من الشعب أو غير مباشرٍ عبر نوابه،كما في الحالة المصرية.أما اللجنة فعادةً ما تكون مكلفة من جهةٍ عليا حاكمة. الملك أو رئاسة الجمهورية أو أي جهة غير مخولة من الشعب.
وبالرغم أنه وفي كلتا الحالتين يمكن أن يُمارس عليهما وسائل مختلفة من الترغيب والترهيب لوضع مواد تخدم توجهات هذا الطرف أو ذاك بعيداً عن توخي المصالح العامة.إلا أنه قطعاً أن دستوراً وُضعت مسودة مواده بواسطة جمعية منتخبة ستختلف اختلافاً جوهرياً عن دستورٍ وضعت مسودة مواده لجنة مكلفة من سلطات عليا. يرجع ذلك كما ذُكر إلى اختلاف سلطة التعيين في كلٍ منهما فالجمعية تستمد شرعيتها من الشعب ولا تستطيع أي سلطة حلها وتغييرها أو استبدال أعضاء بآخرين ، إذا ما وُجد منهم من يرفض الوصاية وتحقيق رغبات الحاكم. أما اللجنة فتستمد شرعيتها من السلطة التي عينتها ولذلك فهي تعمل تحت ضغط الحل أو التبديل في أي لحظة إذا لم تراعِ رغبات السلطة التي عينتها.
لذلك ولما هو أكثر من ذلك تعتبر مصدر الشرعية ، شرعية من يضعون مسودات مواد الدستور المحدد الأول والأهم في إخراج دستور يرتضيه كافة أفراد الشعب، للوصول إلى حالة السلم الاجتماعي أولاً، ولتحقيق مصالحه بعيدة المدى ثانياً.
أمر آخر يتحكم في مخرجات الدستور لا يقل أهمية عن مصدر شرعية من يضعون الدستور ومواده، وهو الأسس التي ستُبنى عليها مواد الدستور. وهذه الأسس بالإضافة إلى الجانب الفني المتعلق بطريقة كتابة الدستور عمَّا إذا كان عاماً أم تفصيلياً يمكن حصرها في (هوية وثقافة وتاريخ الشعب ، وشكل الدولة والنظام السياسي ، ومستوى الحقوق والحريات السياسية والعامة).
وإذا ما تم الاتفاق على هذه الأسس فلن تكون هناك أي مشكلة أو خلاف فيما يتعلق بمتن المواد أو صياغتها لأنها بالضرورة لا يجب أن تتعارض أو تخالف أيٍ من الأسس المتفق عليها والمحددة سلفاً.
ولأهمية الأمر نورد المثالين التاليين. إذا كان أحد هذه الأسس يتحدث عن أن الشعب يدين بالإسلام وثقافته ومرجعيته إسلامية،فهذا يُلزم ويُوجب على من يضعون مواد الدستور سواءاً كانوا جمعية منتخبة أو لجنة مكلفة عدم وضع أي مادة تخالف هذه الثقافة والمرجعية ، فضلاً عن حرمة وضعها شرعاً.و بالمثل إذا كان أحد هذه الأسس يتحدث عن أن المجتمع مجتمعٌ ديمقراطيٌ يقوم على مبدئي الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة فبناء على هذا الأساس يجب عدم وضع أي مادة تُخرج هذا المفهوم من محتواه ،بل ويحرم وضع أي مادة تتناقض معه بأي شكلٍ أو صيغة.إذ إن هذا ما توافق عليه المجتمع و كلف به من سيضعون مسودة دستورهم الذين ليس من حقهم مخالفة هذا التكليف وإن كان مخالفاً لتوجهاتهم ورغباتهم ناهيك عن أن يُملى عليهم من أي طرف.وينسحب الأمر ويتعداه إلى من يشرعون القوانين في المجالس التشريعية المنتخبة، ومن يُصدرها من الجهات الرسمية.إذ يحرم عليهم سن وإصدار وتشريع قوانين بما يخالف هذه الأسس والمبادئ أو تخرجها من مضمونها بأي شكلٍ أو صيغة.
وهنا يأتي أهمية وجود جهة مهمة يجب أن يتضمنها وينص عليها أي دستور ديمقراطي وهي المحكمة الدستورية ، التي مهمتها الفصل في دستورية القوانين والقرارات الصادرة عن الجهات الرسمية المختلفة.
إن عملية وضع الدستور يجب أن تمر بعدة مراحل وتأخذ وقتها الكافي لذا يُقال إنها صناعة ومن الأفضل أن يأتي أعضاء الجمعية التأسيسية مختارين من الشعب مباشرةً وممثلين عنه بشكلٍ جغرافي لهذا الغرض بعينه وتنتهي مهمتهم بذلك.كما أن الأعضاء المنتخبين أنفسهم لا يُعطون الصلاحيات المطلقة في اختيار الأسس السياسية والمبادئ العامة للدولة.
والهدف من هذه التعقيدات والاجراءات الكثيرة لوضع الدستور هو الوصول إلى دستورٍ دائمٍ وثابتٍ للمجتمع بغرض تحقيق السلم الاجتماعي وهو أهم ما يجب أن يحققه أي دستور.والسلم الاجتماعي لن يتحقق إلا بتطور المجتمع وقبله الرقي بسلوك الفرد وهذه مهمة الحكومات وهي لن تتمكن من ذلك إلا من خلال الاستقرار السياسي .ومن المؤكد أن الاستقرار السياسي لن يتحقق إلا من خلال دستور دائم وثابت.
أظنُ أن الوقت أصبح مواتياً ومهيئاً لشعبنا اليمني لأن يغَّير في مخيلته أولاً مُسلَّمة وبديهية أن الدستور يتغير بتغير من يحكم وعده لذلك ظاهرةً طبيعيةً كظاهرة تعاقب الليل والنهار إحدى السنن الإلهية العظيمة التي تبلد تجاهها إحساس البشر ونحن منهم.
ونحن في اليمن إذا أردنا أن نصنع دستوراً دائماً وثابتاً لنصل إلى مرحلة تحقيق السلم الاجتماعي الهدف المرحلي المطلوب، يجب علينا أن نؤمن بمجموعة من الحقائق أولها أن يكون هذا الدستور للمستقبل أكثر منه للحاضر ولا يعالج فترة زمنية محددة ، بل يُفترض فيه دستور يستمر لمئات من السنين القادمة.وثانيها أن يوضع هذا الدستور بشكلٍ يرضي جميع فئات المجتمع ولا يتجاهل أحداً.وثالثها ألاَّ يمنح أي امتيازات من أي نوع لفرد بعينه أو جماعة بعينها.ورابع هذه الحقائق أن ثبات الدستور لا بد له من مجتمع يحترم القانون وسيادته عملياً وليس مجرد شعارات وادعاءات(دعايات) سياسية تُقال هنا وهناك.
بعد ما سبق أظن أني لست بحاجة إلى توصيف أو نقد ما حدث في مصرنا العظيمة لنستقي منه الدروس والعبر المجانية لنتجاوز بها أخطاءهم ونبدأ من حيث ما انتهوا. فقراءة ما بين السطور السابقة تُغني عن ذلك. ولكن لا بأس من أن نشير إلى أنه وعلى ما يبدو أن من بزمام السلطة في مصر قد غابت عنه أهمية الدستور الدائم الذي يحقق السلم الاجتماعي،وآثر صناعة دستورٍ يناسب مرحلة بعينها وإن كان حسن النوايا متوافراً إلا أنها لا يخدم بأي حالٍ من الأحوال الصالح العام على المدى البعيد ولا يلبي الاحتياجات اللازمة لتحقيق السلم الاجتماعي للمواطن المصري وصولاً إلى البيئة الاجتماعية المؤسسة للتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.