«2» نواصل قراءتنا لكتاب الأستاذ. الباحث- مجدي كامل الموسوم بعنوان سقراط رحلة بحث عن الحقيقة فيستهل موضوعه التالي يتساءل عن العوامل والأسباب التي أدت إلى ولادة هذه القيمة الإنسانية للديمقراطية؟ هذه القيمة التي باتت اليوم طموح كل شعوب العالم المضطهدة بحكم الأنظمة الاستبدادية التي لا وازع لها أو رادع من قيم دينية أو أخلاقية تحول بينها وقهرها لحرية الشعوب. ويجيب عن تلك التساؤلات بما معناه إن استمرار تمادي الحكام الطغاة واستئثارهم بمقدرات الشعوب وخيرات أوطانهم هو أحد الأسباب المؤدية لظهور الديمقراطية. وفي تقديري إن شعب الإغريق قد ضرب أروع الأمثلة بتضحياته الجسام في سبيل الحرية والديموقراطية وأولى تلك التضحيات قد تمثلت بمعلمهم وفيلسوفهم الأول ( سقراط) وقد ذهبوا بتقديرهم وتمسكهم بهذه القيمة الإنسانية حداً أرتقت إلى مصاف الإلهة والألوهية والتقديس وبالغ البعض منهم لإقامة تمثال بوسط مدينة “ دلفى” أطلق عليه (ديمقراطياً) ومن حقهم فعل ذلك وأكثر من ذلك نظراً لذلك الكم الهائل من الويلات والمعاناة من قبل أشكال الأنظمة الديكتاتورية والفردية من مختلف الطغاة الذين تعاقبوا على بلادهم ومدينتهم الباسلة التي عرفت أبشع وأسوأ أنواع الاضطهاد من حكام (إسبرطة) الغزاة الذين اجتاحوا أثينا خلال الحرب (البيلوبونية) ففي أعقاب ذلك الغزو وتلك الحرب المدمرة تسلم حكم البلاد ثلاثون طاغية عاثوا في البلاد فساداً وملؤها جوراً وظلماً وقهراً ولذلك فأنني أتصور من أن الأحداث الجسام مهما عظمت، عظمت في سبيل التضحيات فإنها تزداد قوة وصلابة وإبداعاً.. فالإغريق يعتبرون من أوائل شعوب العالم في أخذهم بناصية العلوم المختلفة وأخذهم بناصية أنظمة حكم العدالة بكافة فروعها وأشكالها المختلفة حتى في طرق وأساليب تصرفات الإنسان الحديث والمعاصر لتصرفاته اليومية وأنماط الحياة المعيشية فالأحداث المتوالية للشعوب تظهر قدرات الشعوب وتفرز أغلى ما تختزنه من طاقات وإبداعات إنها رجّة لابد منها لإيقاض المشاعر النائمة من جانب، ورعشة لهز الأجسام الخاملة كي تفرز وتتخلص من الأدران والسموم المتراكمة. واليوم اليونان يعاني ما يعانيه من ويلات وكوارث النظام الرأسمالي البغيض وقادة وأباطرة الغرب يتندرون عليه دون إسعافه من محنته أو العمل على معالجة أوضاعه وظروفه الاقتصادية أو لم يتبادر إلى ذهن الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وكافة دول العالم المتشدقة اليوم بالديمقراطية لم يتبادر إلى أذهانهم أو يتذكرون في أنهم مدينون لأثينا ومدينون لأبنائها العظماء الذين أسسوا لهذه الحضارة التي ينعم بها العالم وأن كل ما طرأ على هذا الكون من الاكتشافات العلمية قد كان لأثينا الفضل الأول والأخير في كل ما طرأ على حياة بني الإنسان من تقدم وازدهار على كافة المستويات. أعود لإجوبة كاتب البحث ورده على أسباب وإرهاصات المخاض للديمقراطية حيث يقول: إن نظام الفرد الواحد يتصدر ويسود على نظام وحكم الأغلبية بمعنى آخر حكم الطغاة هو من يدفع في غالب الأحيان إلى توليد الديمقراطية سيما عندما يتأجج الصراع بين الأطراف المستفيدة من النظام الديمقراطي ثم يضيف قائلاً: كما أن المشاركة الفعالة للإغريق في حروبهم لصد و مواجهة الأعداء وبناء الأساطيل الحربية البحرية كل ذلك قد أثر في انبثاق الوعي الديمقراطي فمن يضحي بنفسه لوطنه من حقه أن ينال كافة الامتيازات، تجدر الإشارة هنا إلى أن الجمعية الوطنية تعتبر أول مؤسسة ديمقراطية في التاريخ وكان أعضاؤها كافة أهالي أثينا وكل منهم له الحق بالإدلاء برأيه وكانت تعقد جلساتها في وسط المدينة على هضبة تبعد 400 متر عن وسط المدينة ..وكان هناك أحد المواقع يتسع لستة آلاف مواطن يجلسون فيه بطريقة نصف دائرية ويتم التصويت عبر رفع الأيادي وإلى جانب ذلك كان هناك مجلس آخر مرتبط بتلك الجمعية وتعداده 500 شخص وكان كل 50 منهم يحكم لمدة 36 يوماً فقط بعد ذلك سيتم استبدالهم بخمسين آخرين وهذا المجلس كان يطلق عليه بمجلس شورى الجمعية الوطنية والجمعية الوطنية تصوت على مشورة هذا المجلس ومن الغرائب أنه قد كان في كل يوم يتم اختيار رئيس للمجلس وبنفس الوقت يكون هذا الشخص رئيساً للجمعية الوطنية يقال إن اختيارهم اليومي للرئيس هو عدم رغبتهم في تكثيف للسلطة ومركزيتها لمدة طويلة وقد كان من أبرز صلاحية ومهام المجلس حماية الأمور المالية والرقابة على الأجهزة والقنوات المالية والرقابة على الأجهزة والقنوات المالية وأما المؤسسة الثالثة فقد تمثلت بالمحاكم الشعبية والجمعية القضائية ويعمل بها أكثر من 6000 مواطن فوق سن الثلاثين 30 عاماً يصبحون قضاة عن طريقة القرعة سنوياً و يشكل هذا العدد ضمن مواطني المدينة فلم يحظ أي نظام ديموقراطي بهذا العدد في هذا العالم كما حظي نظام أثينا بهذا الكم الهائل بالمشاركة الفعالة المباشرة فكان الشعب قاضياً على نفسه وكان حاكماً لنفسه وما يميز هذا النظام هو أنه قد كان حريصاً كل الحرص على المصلحة العامة للبلاد، فالأيتام كان ينظر لهم على أنهم أبناء هذه المدينة وبذلك يخضعون لمسئولية الجميع ومن أهم مميزات ديمقراطية أثينا هو الطعن في شرعية القوانين فمن حق الجمعية القضائية إلغاء قرارات الجمعية الوطنية في حال وقوع تباين أو اختلاف في شرعية القوانين. فالحق الذي اعتبره إفلاطون كأمر رباني وإلهي تحول إلى قانون وضعي في عام 403 ق.م. ومن خواص ما امتازت به ديمقراطية أثينا الوظائف الإدارية ورقابتها ويشير (أرسطو طاليس) إلى ذلك من أن 700 درجة وظيفية كانت في القرن الرابع قبل الميلاد في أثينا وكان كل موظف يعمل وفق ما يسمى بالمفاضلة وبحسب القرعة والتناوب، باختصار لقد كان يتبع أرقى وأدق أنظمة التوظيف العادل والنزيه. رابط المقال على الفيس بوك