يصارع الطفل في اليمن من أجل البقاء منذ كان في ظلمات بطن أمه يعاني من سوء التغذية وعدم الإهتمام والمراقبة المستمرة للتأكد من سلامة نموه ..ويخرج إلى الدنيا هزيلاً متعباً ..يلتقط الأمراض منذ لحظاته الأولى بسبب العادات والتقاليد المريضة ..فهو محاط بدخان (المدائع ) و(البخور) وقبلات نساء الحارات واولادهن والأقرباء الذين يعبرون عن حبهم بنقل أمراض متنوعة كأول هدايا يتلاقها هذا الكائن التعيس .يحاول ان يكبر بأقل التكاليف وبأكل لا تهضمه معدة الكبار إلا بصعوبة ..يخوض المغامرة ويأكل (السلتة) منذ سنته الأولى ..ويتغذى على (الجعالة) الرخيصة من شوكلاتة وبسكويت و(بفك) ومقرمشات مليئة بالبلاوي والامراض .محاط بالإهمال من كل الزوايا ..فإذا مرض فشراب خفض الحرارة هو علاجه الاول ..ومضاد حيوي من الصيدلية إذا استعصت الحالة ،،لا رقابة على نظافته وكلمة غبي واسكت و(هجعنا) هي المفردات المقربة منه ..وطبعاً اللطم على الوجه وربما الركل في الموخرة هي لمسات الحنان التي يحصل عليها من والده (المبحشم) الذي قد يكون صغير السن ويؤمن بأن الأبوه صراخ وضرب وهيبة (وقزازة) وامه التي تعاني من ضعف وتوتر دائم والذي غالباً ما يكون بسبب زواجها المبكر وحرمانها من طفولتها وفاقد الشيء لا يعطيه ..ويتجاوز كل هذا بجسده الضعيف ويحقق المعجزة ويعيش !ولكن تجاوزه للمخاطر داخل بيته لم تعفه من مخاطر اكبر تحيط به من كل مكان ..فهو معرض للخطف والمتاجرة بأعضائه والتهريب لدول الجوار والعمل كمتسول وسواء كان ذكر أو أنثى فهو معرض للاغتصاب والموت بعدها لكي لا ينكشف سر من قاموا بهذا الفعل ..هو في الشارع كائن بلا حماية فهو كالقطة او الكلب اوحتى كتلك القراطيس التي تتلاعب بها الرياح ..الطفل في اليمن عامل وتاجر قبل أن تتفتح عيناه على كل ألوان الحياة المختلفه وقد يكون زوجاً وزوجه وجندي ومقاتل مع جماعات مسلحة وإن كتب له القدر أن يتعلم فهو بين يدي مدرسين اختاروهم لضعف قدراتهم التربويه والعلمية ليدرسوا (الجهال الصغار ) مستخفين بعقولهم وبمستقبلهم ..معتبرين أن هؤلاء الأطفال شيء فائض ولو قرر أحدهم ان يعيش مع خياله ويرسم على ورقة رسمة تعبر عن احلامه يأتي (المدرس ) أو (المدرسة ) ليمزق الورقه ويقول له (بس شخبطة قوم راجع دروسك واكتب كلمة (انا يمني ) عشرين مرة !طبعا لو حاول تكرار الرسم في البيت سيكون له نصيب من الصراخ والشتم والإهانه لأنه يضيع وقته في (الشخبطة)الطفل هو القربان الأهم للجميع ..يلقون به في النار حتى تستمر مشاريعهم فهو كائن زايد عن حاجة هذا المجتمع تتلاطم به أمواج المصالح من أقرب المقربين منه الى أبعد البعيدين ..وطفولته بدعة لا يمكن ان يعترف بها هذا المجتمع ..فهو مطالب بأن يكون (رجلاً) منذ سنينه الاولى، ومطلوب منها أن تكون (مرأة) منذ نعومة اظافرها محاطة باللثام واللباس الفضفاض وكتم الصوت حتى لا (تفضحهم)!!إلى متى يظل هذا حال الطفولة ..وإلى متى نريد ان يتغير حالنا وأساس نشأتنا مريض وهزيل ومحاط بكل هذا الظلام والفزع ..لن ينصلح حال المجتمع إلا بطفولة نفرد لها المساحات في قلوبنا وعقولنا وبيوتنا وشوارعنا وقوانيننا وتعليمنا وثقافتنا وقراراتنا . وعندما يكون الطفل كائن اساسي في هذا البلد سيكون للكبار فيه وزن وقيمة و...وطن . رابط المقال على الفيس بوك