سيظل الإعلام اليمني بمختلف وسائله واتجاهاته الرسمية والحزبية والأهلية السيف المصلت على رقاب اليمنيين والعائق الأكبر أمام ما تشهده اليمن من تحولات إيجابية بفضل ثورة الشباب، وذلك لأن كل الإعلاميين إلا ما رحم ربي يجتهدون لخدمة الجهات التي ينتمون إليها أو يعملون فيها على حساب الوطن والشعب وقضاياهما.. ولم يستفيدوا من دروس عهد ما قبل ثورة الشباب حيث كان الإعلام مسخراً للتسبيح بحمد الحاكم وخدمة الأحزاب وأصحاب الجاه والنفوذ في السلطة والمعارضة، أما الوطن فقد كان رقما مفقوداً في خضم هذه المعادلة.. واستمراراً لهذا النهج فقد تحول الإعلام إلى سلاح ذي حدين وصارت سهامه الموجهة لاختراق صدور اليمنيين وعقولهم أكثر تأثيراً وضرراً من فوهات البنادق والمدافع التي تصيب مرة واحدة ويمكن لمن هي موجهة إليه أن يتجنبها بعدة وسائل.. لكن سهام الإعلام تصيب الفكر بالتشويش وتجعل العقل مشلولا وتتسبب في هزيمة النفس من داخلها وهو ما يتناقض مع مفهوم الرسالة الحقيقية للإعلام الوطني والدور الذي يجب القيام به للمساعدة على بناء الدول الحديثة والأوطان وتوعية الشعوب مما يحاك لها من مؤامرات داخلية وخارجية تستهدف النيل منها وأضعافها وتستهدف قدراتها وثرواتها وتمهد للآخرين السيطرة عليها بحيث تبقى أسيرة في أيديهم. من يتابع الإعلام اليمني اليوم بمختلف وسائله لاسيما الصحافة المكتوبة والمواقع الإخبارية الإلكترونية والقنوات الفضائية التابعة للجماعات السياسية يعتقد أن الحرب قائمة لا محالة وأن اليمن معرضة للخراب والدمار.. ويزداد هذا الاعتقاد لدى المواطن العادي والمتابع من الخارج عندما يشاهد تركيز الإعلام على انقسام الجيش والأمن وعدم استعداد قادة الألوية العسكرية التسليم بالأمر الواقع وعدم إيمانهم بعملية التغيير التي تمت على أيدي الشباب وكان من ثمارها صدور عدد من القرارات المهمة بهدف إعادة هيكلة المؤسسة الدفاعية والأمنية وصولا إلى بناء جيش وطني قوي يتبع قيادة واحدة يكون ولاؤه لله ثم الوطن ومهمته الأساسية الدفاع عن الشعب وسيادته واستقلاله.. ومع ذلك يظل الإعلام وخاصة التابع للجهات المستفيدة من عدم استقرار الأوضاع وبقاء الجيش مقسما يعمل على قلب الحقائق ويتجاهل الإيجابيات ويشكك في كل شيء مستغلا الثغرات الموجودة هنا وهناك والسقف المرتفع لحرية التعبير وغياب الرقابة الذاتية فيقوم بحبك القصص والحكايات التي تجعل من يطلع عليها يعتقد بأن اليمن على وشك الانهيار والتفتت وانه ليس أمام المواطن اليمني إلا البحث له عن ملجأ يختبئ فيه خوفا مما هو قادم.. وفي نفس الوقت لا يعترفون بما حققته ثورة الشباب من مكاسب كبيرة وفي مقدمتها حرية التعبير التي جعلت الإعلاميين يستغلونها إلى درجة محاربتهم للوطن نفسه.. ورغم محاولة الالتفاف على أهداف الثورة إلا أن المكاسب المتحققة بفضلها لا يستطيع احد أن يشكك في وجودها على ارض الواقع. لكن لأن المتضررين من عملية التغيير التي تمت كثيرون فقد جندوا أنفسهم بكل ما يمتلكونه من إمكانيات مادية وإعلامية لمحاربة الثورة والتشكيك في نجاحها وتحقيق أهدافها انتقاماً منهم، لأنها قضت على مصالحهم الخاصة وأنهت نفوذهم وتسلطهم على رقاب أبناء الشعب اليمني والمتاجرة بقضاياه مستغلين ارتباط بعض شباب الثورة بالأحزاب فسلطوا وبقوة وسائل إعلامهم للنيل من كل المكاسب المتحققة إيماناً منهم بأن ما يقومون به سيجعل المواطن اليمني يندم ويتحسر على وضعهم السابق وانه كان افضل مما آلت إليه الأمور بعد الثورة غير مدركين بأن أبناء الشعب اليمني قد شبوا عن الطوق ولم تعد تنطلي عليهم الحيل والخدع التي كانت تمارس عليهم في السابق وانهم باتوا اكثر إصرارا من ذي قبل على أهمية خروجهم من الوضع الذي تم حشرهم فيه مهما كلفهم ذلك من ثمن، وان الدولة الوطنية الحديثة التي كانوا ممنوعين من إقامتها خلال الخمسين عاما الماضية صارت اليوم هي هدفهم الرئيسي ومن خلالها سيعاد لليمن وطنا وشعبا الاعتبار وتعود لليمن قوتها وعزتها وهذا ما يزعج أعداء الشعب اليمني في الداخل والخارج الذين يريدون أن يبقى اليمن ضعيفاً ومسيطراً عليه فيحولون دون تحقيق هذا الهدف. ولأن الإعلام يتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الجانب بسبب الدور السلبي الذي يقوم به فإننا لا نوجه اللوم هنا إلى قادة الأحزاب والجماعات السياسية وأصحاب النفوذ المستفيدون مما يجري بقدر ما نوجه اللوم إلى الإعلاميين الذين رضوا على انفسهم أن يكونوا أدوات في أيدي هؤلاء حيث جعلوا منهم معاولاً لهدم ما هو قائم ورضوا أن يكونوا أبواقاً لخدمة الأطراف السياسية والدعاية لها وتصفية الحسابات فيما بينها مقابل ثمن بخس على حساب الوطن والشعب وقضاياهما التي يجب على الإعلاميين قبل غيرهم أن يجعلوها في المقام الأول للدفاع عنها وان لا يغلبوا عليها المصالح الحزبية أو الخاصة حتى لا يساهمون في تدمير الوطن وان يستفيدوا من سلوك الإعلام الوطني في الدول والشعوب المتحضرة الذين يأبى الإعلاميون على انفسهم في هذه الشعوب أن يكونوا أبواقاً لأي طرف سياسي أو ينتمون إليه وإنما يكون ولاؤهم لأوطانهم وشعوبهم وخدمة مصالحها ولا يخافون لومة لائم في قول كلمة الحق وبذلك استطاعوا أن يسقطوا رؤساء جمهوريات ويسقطون حكومات حينما يرون أنها قد انحرفت عن الخط الوطني وأصبح سلوكها لا يتناسب مع ما يريده الشعب وهو سلوك وطني يفرض على الإعلاميين في بلدان العالم الثالث وفي المقدمة اليمن الاستفادة منه وان يقتدوا به بحيث يكون الإعلام في هذه الحالة شريكاً فاعلاً في بناء الشعوب والأوطان لا معول للهدم والتدمير. الشاطر وتطبيع الوضع لفت نظري عنوان مقال العميد الركن علي حسن الشاطر الذي نشرته الجمهورية الثلاثاء قبل الماضي بعنوان: متى تعود الأمور إلى طبيعتها؟ وانا بدوري أتساءل متى كانت الأوضاع طبيعية في اليمن خاصة من بعد حرب 1994م..صحيح أننا في دائرة التوجيه المعنوي وصحيفة26سبتمبر التي كان العميد الشاطر مديرها ورئيس التحرير قبل الإطاحة به كنا نحاول أن نلمع النظام ونكذب على انفسنا وعلى الشعب بقولنا: أننا انتقلنا من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية ..لكن حين حانت لحظة الحقيقة اكتشفنا عدم وجود دولة وبمجرد ما نزل مجموعة من الشباب إلى ساحات التغيير والحرية اهتزت أركان النظام وتساقطت.. و لولا التدخل الإقليمي والدولي الذي صنع لهم مخرجاً يحفظ لهم ماء الوجه وأوجد لهم حصانة والا لكانت السجون مليئة بهم والمحاكم قد بدأت تنظر في جرائمهم التي اقترفوها في حق الشعب اليمني حيث أضاعوا الدولة وباعوا كل شيء ..ولا ندري ماهي الأمور التي يتساءل العميد الشاطر حول عودتها إلى طبيعتها؟ [email protected] رابط المقال على الفيس بوك