اختيار اليوم الاثنين الموافق 18مارس 2013م لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني له دلالة عميقة ستظل متجذرة في نفوس اليمنيين لأنها تذكرنا بما حدث في مثل هذا اليوم الثامن عشر من مارس عام 2011م الذي سقط فيه كوكبة من الشباب الشهداء على أيدي زبانية عهد ما قبل ثورة الشباب المباركة وهو ما عرف يومها بجمعة الكرامة التي فعلا أعادت للشعب اليمني كرامته وعزته وقد شكلت دماؤهم الطاهرة بداية حقيقية لعملية التغيير التي نشهدها اليوم وتسير بخطى ثابتة إلى الأمام رغم عرقلة مسيرتها من قبل أولئك الذين جعلوا من أنفسهم ومصالحهم فوق الشعب والوطن.. وقد اشرنا في مقال سابق إلى أن يوم الثامن عشر من مارس الذي أريقت فيه دماء شباب اليمن واختير ليكون بداية للحوار الوطني الشامل سيظل علامة فارقة في حياة اليمنيين وشروعا لتحقيق الهدف الثالث لثورة الشباب المباركة.. لأن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في هذا اليوم بمشاركة ممثلين عن مكونات المجتمع اليمني بكل أطيافه السياسية والاجتماعية والثقافية وحضور العديد من الضيوف أشقاء وأصدقاء جلسته الافتتاحية دليل على أن عملية التغيير ماضية في طريقها إلى الأمام ولن يستطيع أحد التأثير على مجرياتها مهما حاول أن يضع العراقيل في طريقها بهدف إيقافها أو إفشال أهدافها. ان مؤتمر الحوار الوطني الذي ينعقد اليوم في العاصمة التاريخية صنعاء لليمن الواحد جنوبه وشماله وشرقه وغربه برئاسة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية يكاد يكون الفرصة الوحيدة والنادرة التي لن تتكرر لحل كل المشاكل والقضايا العالقة المرحلة من الماضي البغيض بكل ما تحمله من تراكمات وأحقاد وضغائن بين أبناء المجتمع اليمني الواحد وكلها ناتجة عن الاختلافات والصراعات السياسية والإيديولوجية والعقائدية التي شهدتها اليمن خلال الخمسين عاما الماضية من عمر الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) فجعلت من اليمن كله بدون استثناء مسرحا لتصفية حسابات إقليمية ودولية على أرضه الطيبة في وقت كنا فيه أحوج ما نكون للتفرغ لبناء دولتنا التي ثرنا على حكم الأئمة والسلاطين والاستعمار من أجل تحقيقها واستغلال ما حبا الله أرض اليمن من ثروات وخيرات وموقع جغرافي فريد ومتميز لو أحسنا التعامل معه بحكمة ولم نسمح للآخرين بالتدخل في شؤوننا الداخلية لكنا اليوم افضل بكثير مما هو عليه وضع الدول والشعوب المحيطة بنا. وقد اعترف الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي في كلمته التي ألقاها أثناء حضوره حفل تخرج دفعة من حفظة القرآن الكريم بأن ما جناه اليمنيون خلال الخمسين عاما الماضية هو الصراع فيما بينهم مشددا على إنهائه حيث قال: إلى هنا وكفى.. وبالرغم من الفرص الكثيرة التي أتيحت لنا كيمنيين لإصلاح ما أفسدناه على انفسنا بأيدينا إلا أننا لم نحسن استغلالها والتعامل معها جيدا بسبب الإدارات غير الواعية التي حكمتنا ولم تستوعب ما يشهده العالم من متغيرات فشاء القدر لهذه القيادات المتحكمة أن تسير أبناء الشعب اليمني وفقا لإرادتها وهواها الذي يخدم مصالحها الخاصة على حساب مصلحة وطن بأكمله وجعلت من الشعب اليمني بفعل سياسة التجهيل الممنهجة التي اتبعتها كسلوك للتعامل مع قضايا الشعب والوطن وكأنه عبارة عن قطيع من الأغنام لا يحق له أن يسير إلا وفق ما ترسمه له من توجه مغيبة إياه عن واقعه المعاش ومزيفة وعيه وإرادته لدرجة أن أبناء الشعب اليمني في عصر العلم والتكنولوجيا والتخصص صاروا يأنسون للقديم ويستوحشون من كل ما هو جديد كما سبق وأشار إلى ذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله وكأن اليمنيين اصبحوا أعداء للتطور. وما يقوم به البعض اليوم من تخريب لأبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز إلا انعكاس لهذه العقلية المتخلفة التي يحملونها في أذهانهم وأفكارهم المتحجرة وبعملهم هذا وسلوكهم المشين صاروا يقفون عقبة كأداء أمام تطور وتقدم الشعب اليمني مستغلين غياب النظام والقانون وانشغال القوى السياسية الحاكمة بالصراع فيما بينها وتحقيق مصالحها الخاصة والضيقة على حساب المصلحة العامة.. إن حالنا اليوم لا يسر عدواً ولا صديقاً لأننا ارتضينا لأنفسنا أن نكون هكذا بسبب محاربتنا ومقاومتنا لكل ما من شأنه أن يقيدنا وينفعنا بحجج ومبررات واهية لا يستسيغها عقل ولا يقبل بها فكر أو فهم. وعليه فإن أملنا كبير في مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأت فعالياته اليوم كفرصة وحيدة وأخيرة لإخراج اليمن وشعبها من هذا الوضع المعقد جدا وشديد الحساسية بما سيفضي إليه المتحاورون من مخرجات وما لم ننجح في ذلك فليس أمامنا إلا أن نقول على اليمن السلام وليهنأ أولئك الأعداء الذين لا يحبون لليمن وشعبها الخير من الداخل والخارج بما حققوه من إنجاز نشهد لهم انهم نجحوا فيه بامتياز ..بقي أن نقول: لا نلوم الآخرين على ما يجري لنا بقدر ما نلوم أنفسنا كوننا أصحاب البيت الذي لم نحسن تحصينه جيدا فتركنا أبوابه ونوافذه مفتوحة أمام كل من هب ودب فخربوا بيتنا من الداخل وبأيدينا نحن وما كان عليهم إلا أن دعونا فاستجبنا للنداء وسيظل حالنا أسوأ بكثير اذا لم نصل في مؤتمر الحوار الوطني إلى نتيجة يتفق عليها اليمنيون ممثلين في المتحاورين لإخراج بلدنا من وضعها المؤسف.. وان كان أملنا في الوصول إلى نتيجة اكبر بكثير من اليأس والقنوط . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك