الوحدة اليمنية خط أحمر محال تجاوزه ولا محيص منها ولو كره الكارهون ، فكل الشعب اليمني في جنوبه قبل شماله يريد الوحدة ويتمسك بها ، تؤيده على ذلك كل قواه السياسية الوطنية وكل القوى الإقليمية والدولية ، وما قيل في اجتماع مجلس الأمن الذي عقد بالأمس القريب في صنعاء كحالة استثنائية وحضره أمين عام مجلس التعاون الخليجي وممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، إنما جاء دليلاً ومؤكداً على الإجماع المحلي والإقليمي والدولي على استمرارية الوحدة والإصرار على ديمومتها .. ويؤكد ذلك أيضاً على أن المشاريع الصغيرة والطموحات الضيقة التي تدعو إلى فك الارتباط وإعادة ما كانت تسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية أو قيام ما تسمى أيضا بدولة الجنوب العربي ما هي إلا أحلام يقضة لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع ، لأن الوحدة اليمنية جاءت لتمثل إرادة أمة وإرادة شعب ضحى في سبيلها بالغالي والنفيس ولم ولن تكن لعبة لذوي الأهواء والمعتوهين يقدمون إليها متى ما أرادوا أو متى ما تتوافق مع مصالحهم وينسحبون منها متى ما تعارضت معها .. فالجماهير بكل مشاربها وتكويناتها عندما أقدمت على الوحدة من خلال قياداتها في ذلك الحين وباركت خطواتها إنما كانت تتفاعل مع طموحها وتطلعاتها وحرصها على استمرار الوحدة حتى يرث الله الأرض وما عليها ، ولم تكن تتماشى أو تنجر إليها هروباً من مصير ما كان يحدث حينها في دول المنظومة الاشتراكية وفي أثوبيا البلد المجاور ، عند ما أصر الإخوة في الحزب الاشتراكي حينها على الوحدة الاندماجية بدلاً عن فكرة الاتحاد الفدرالي .. والحقيقة أن غالبية الشعب وبالذات أبناء المحافظات الوسطى والجنوبية التي تخف فيها سطوة المشايخ والنعرة القبلية كتعز وغيرها كانت تتعاطف كثيراً مع طروحات الحزب الاشتراكي خلال الأزمة التي سبقت حرب صيف 1994م وحتى لحظة إعلان الانفصال الغبي المتهور من ذلك المعتوه ، الذي أعطى للرئيس السابق علي عبد الله صالح وزمرته وحلفائه من حفدة ( هولاكو وجنكيز خان ) من عناصر الإصلاح والقاعدة ومشايخ الفود ، زخماً قوياً ومؤثراً للنصر وتعاطفاً جماهيرياً وتحولاً من ضد إلى مسند ، ليس حباً لصالح ولكن بغضا للإنفصال وكرهاً لمن أعلنه ودبره .. ويظهر أن جماعة الحراك ومن يلف لفهم وعلى رأسهم وفي مقدمتهم علي سالم البيض والعطاس ومحمد علي أحمد لم يستوعبوا الدرس ولم يتعظوا أبداً ولم يفيقوا من مأساة حرب صيف 1994م وحادثة إعلان الانفصال ، فلا زالوا يرددون تلك المعزوفة المشروخة ويغنون على ليلاهم ، ويطمحون إلى غايتهم المثلى في دولة جنوبية ، ولا تفرق معهم أن تكون جمهورية اليمن الديمقراطية أو دولة الجنوب العربي كما تحلم حليفتهم رابطة أبناء الجنوب ، المهم هو أن يحكموا دولة أو حتى دويلات ولو في ( خرم ) بفتح الخاء- من الأرض ، فتلك الرغبة الكامنة في أعماقهم لا تفارقهم أبداً ، ولذلك من باب النصيحة ليس إلا ندعوهم ونتمنى عليهم الالتزام بالحكمة والتعقل والدخول فيما دخل فيه الجميع باتخاذ مؤتمر الحوار الوطني وسيلة حضارية وسليمة لخلق دولة مدنية تكون الوحدة أساسها والديمقراطية والحرية والمساواة نهجها وغايتها .. فربما عندئذ بالانتخابات والديمقراطية الصحيحة والشفافة يصلون إلى السلطة وترضى عنهم الجماهير وتثق في برامجهم ونهجهم السياسي العام ، فالوقت والواقع كما قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر لم يعد فيه مجال للمراوغة أوالمماحكات والمماطلات والعراقيل ، فالمركبة ستسير إلى غايتها ، ولن يعيقها عبث الأطفال والمعتوهين والمترصدين للوحدة وللدولة المدنية سواء كانوا أصحاب الحراك أو أصحاب الأجندة المذهبية أو الحالمين بعودة النظام السابق بكل مساوئه ، فالوضع قد تجاوزهم ولن يستطيع أي منهم إعاقة قطار الحوار ، أو إيقاف المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية لكي تصل بنا إلى نهاية المشوار .. فالشيء الذي أدركه واستوعبه الجميع أن المجتمع الإقليمي والدولي صار غير قادر على الصبر أو ضاق ( خلقه ) كثيراً على ما يفعله البعض من تصرفات صبيانية تعيق مسيرة الحياة السياسية ومؤتمر الحوار الوطني ، وعليه فقد يقدم الجميع على إجراء يندم فيه من سيقع عليه العقاب ولات حين مناص ، فما حدث وصدر عن اجتماع أعضاء مجلس الأمن وعن مجلس التعاون الخليجي ممثلا بأمينه العام وعن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر في تصريحاتهم وكلماتهم يعطي مؤشراً ورسالة واضحة لكل الأطراف بما فيهم أولئك الذين يلعبون في الوقت الضائع ، بأن الوحدة اليمنية وأمن واستقرار البلاد قدر ومصير لا محيص منه ولا مهرب وأن ما على الجميع إلا الاحتكام للعقل والجلوس على طاولة الحوار ليخرجوا جميعاً برؤية واضحة تحدد مسار الدولة ونوعية نظامها ، هل هو رئاسي أم برلماني أو وزاري ؟ وهل الوحدة اليمنية ستكون اندماجية أم فدرالية تحت حكم محلي كامل الصلاحيات ؟ .. إضافة إلى غير ذلك من مكملات الحكم الرشيد والسلطة المدنية التي تتحقق فيها العدالة المطلقة بين كافة المواطنين دون استثناء أو تمايز ، فهذا ما يراد من مؤتمر الحوار الوطني ، أما الأجندات التي تحمل في فحواها شتات اليمن وتمزقه فأعتقد أنها لم يعد لها مجال في ظل ما جرى وما سمعه الجميع من أعضاء مجلس الأمن الذي انعقد بصورة غير مسبوقة في العاصمة صنعاء ، ليعطي دلالة صريحة وواضحة عن مدى الأهمية التي يبديها مجلس الأمن لقضية اليمن وأمنه واستقراره ووحدته ، فهل يعى ويفهم اولئك المراهقون السياسيون وأرباب الطموحات الخاصة أم لا ؟ وإذا لم يفهموا فلا يلومون إلا أنفسهم ولن نقول لهم حينذاك وما علينا إذا لم تفهم .... وهدانا وهداهم الله إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد .. رابط المقال على الفيس بوك