رغم كل المناكفات والمكايدات بين كل القوى السياسية في الساحة اليمنية ، ورغم كل الأحلام الانفصالية والمناطقية والمذهبية ستبقى الوحدة اليمنية قائمة وراسخة إن شاء الله تعالى حتى يرث الله الأرض وما عليها ، سواء كان صانعها الاشتراكي أو المؤتمر أو أية جهة أخرى تدعي ذلك .. لأنها أي الوحدة لم تكن وليدة اللحظة ولا (طناشة) قات كغيرها من المشاريع الارتجالية التي حصلت عبر مراحل وسنوات وعقود ثم انتهت ، لكونها لم تكن بناءً على خطط مدروسة حتى يكتب لها البقاء والدوام ، فالوحدة ظلت دائما وأبدا هاجس وحلم كل اليمانيين شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، فكان ذلك دافعاً هاماً وقوياً لكل الأنظمة والرؤساء والمسئولين في كلا الشطرين منذ قيام ثورتي 26سبتمير و14أكتوبر للسعي الحثيث لإعادة الوحدة اليمنية ، سواء كانت فيدرالية أم إندماجية شاملة .. ولذلك كانت الصراعات والحروب التي كان كل نظام في الشطرين يريد من خلال ذلك فرض رؤيته للوحدة وشروطه، ثم كانت لقاءات واجتماعات قيادات الشطرين عقب كل حرب وصراع بين النظامين ثم كانت ايضا لجان الوحدة التي بدأت تنشط وتستكين طوال سنوات وعقود وكان المد والجزر بين السلطتين حتى أراد الله أن تتحقق الوحدة وتعود في يوم 22مايو 1990م .. أي أن الوحدة لم تكن وليدة لحظة أو يوم أو شهر أو سنة ، بل هي نتاج لنضال طويل خاضه الشعب اليمني ضد الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر اللذين سعيا وعملا بكل جهوهما وإمكانياتهما على تمزيق البلاد إلى مشيخات وسلطنات ، ولذلك ظل النضال قائما في كلا الشطرين حتى أراد الله وتحققت وحدة الأرض اليمنية وإنسانها بفضل عوامل وظروف هيأها الله لتدفع بالجميع إلى طريق الوحدة اليمنية المباركة.. فأحد الأطراف قدم إلى الوحدة لطموح شخصي وسياسي والبعض الآخر قدم إليها هروب من ظرف دولي وواقع طارئ كان يخشى امتداده إليه خصوصا عقب زوال الاتحاد السوفيتي والتساقط المريع الذي طال كل الأنظمة الشمولية في جميع المنظومة الاشتراكية ومنها نظام ( منجستو هيلا مريم ) في أثوبيا ، الذي أشعر الرفاق في الشطر الجنوبي سابقا أن رياح التغيير والغضب الشعبي واصلان إليهم وستطالهم وتجتثهم ، لذا بادروا سريعا إلى الوحدة والاندماجية بالذات ، مع أن الجانب الآخر في نظام الشمال لم يكن يريد سوى إتحاد فيدرالي وهذه معلومة يعرفها الجميع .. لكنهم، أي الرفاق خشوا أن الفيدرالية لن تكون كفاية لحمايتهم من مصير الأنظمة التي تساقطت في دول المنظومة الاشتراكية الأوروبية ، ففضلوا الوحدة الاندماجية على تصور أنهم سيستطيعون بعد ذلك ابتلاع السلطة بحكم خبرتهم التنظيمية والسياسية ، واستنادا إلى شعبيتهم في بعض المحافظات الشمالية وأهمها تعز و إب ، وأنهم بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية سيحصلون على الأغلبية المطلقة أو المريحة تتيح لهم الاستفراد بالسلطة ، ما لم وبعد أن تهدأ العاصفة التي عصفت بالأنظمة الاشتراكية الأخرى يعودون إلى ما كانوا عليه ، في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و( يا دار ما دخلك شر ) .. ولذلك ظلوا يراوغون ويماطلون في مسألة دمج المؤسسات العسكرية والأمنية ، بل وكثير من المؤسسات المدنية تحسبا للحظة إعلان الانفصال من جديد ، والدليل ما صرح به المهندس حيدر العطاس أثناء الأزمة وخلال حرب صيف 1994م لقناة ال ( إم . بي . سي ) الفضائية حيث قال حينذاك عندما سأله مندوب القناة : كيف تسعون للانفصال وتعيدون جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وقد انتهت كل مقوماتها ؟ فأجاب المهندس العطاس بأن الحزب الاشتراكي أو السلطة السابقة في الشطر الجنوبي سابقا لم تدمج أي شيء سواء في الجانب العسكري أو المدني ، وأن الوضع لا زال كما كان عليه حينذاك .. وهذا القول لم ينقله لي أحد وإنما شاهدته وسمعته شخصيا عبر القناة المشار إليها سابقا ، أي أنهم كانوا مبيتين النية للانفصال إذا جاءت مخيبة لآمالهم ولم يستطيعوا الاستحواذ على السلطة منفردين من خلال الانتخابات التي طالبوا بها وأصروا عليها حال التوقيع على اتفاقية الوحدة ، وعندما لم تأت الانتخابات على هواهم ولم يحققوا الفوز فيها لم يرضوا بالمشاركة ، فبدأت الأزمة وتفاقمت حتى نتج عنها حرب صيف 1994م وإعلان الانفصال خلال تلك الحرب .. فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت إلى انتصار الجانب الآخر ودخول أحفاد ( هولاكو وأتيلا وجنكيز خان ) من ميليشيات حزب الإصلاح وبعض السلفيين وقبائل المؤتمر ليتفودوا كما هي عاداتهم البيوت والأراضي وأثاث بعض المنشآت الخاصة والعامة ، مما أدى إلى إحداث صدمة نفسية قوية لأبناء المحافظات الجنوبية الذين كانوا يؤملون في الوحدة خيرا وأمناً وأماناً ليتخلصوا من كل سلبيات وأخطاء النظام الشمولي الاشتراكي سابقا .. لكن الرئيس السابق صالح ابتعد عن الحكمة واستعان بمليشيات الاصلاح وغيرهم وبالقبائل الذين لا يجيدون إلا الفود والتفود مما أعطى دعاة الانفصال ومنهم الحزب الاشتراكي ذريعة ومبررا قويا للتنصل من الوحدة والادعاء بأنها لم تأتِ ولم تقم إلا على حساب خراب ودمار المحافظات الجنوبية ، خصوصا بعد أن عزز النظام في صنعاء ودعم تلك الادعاءات بإجراءات غير مدروسة وغير مسئولة بطرد العسكريين من وحداتهم وإحالة كثيرين منهم للتقاعد المبكر بل امتد ذلك الاجراء ليشمل العديد من المدنيين مما أشعرهم بالظلم الفادح والهضم لحقوقهم فجعلهم يتعاطون مع شعارات الانفصال وما يسمى بالحراك الجنوبي .. مخالفا بذلك قرار العفو والتسامح الذي بلا شك كان سيصبح فعالا لجبر الخواطر وتهدئة للنفوس ، ولكن بطانة السوء قبحهم الله الذين التفوا حول ( صالح ) وأيضا مستشاريه الجدد الذين اصطفاهم عقب استشعاره بالغرور عقب انتصاره عملوا على نقض ذلك القرار بصورة غير مباشرة وتحويله إلى النقيض ، وهم بذلك أثبتوا أنهم كانوا بلاءً ليس على صالح وحده وإنما على الشعب كله شماله وجنوبه.. حيث خلطوا الحابل بالنابل وجعلوا كل مواطن جنوبي يحس أن الوحدة لم تكن إلا وبالا عليه ولم يستفد منها سوى الرئيس السابق صالح وزبانيته ، خصوصا وأن هناك قوى انفصاليه ومناطقية استثمرت جدا أخطاء النظام وجيرته على الوحدة ، على أمل أن تنهيها وهم لا يدركون أن البلاد إذا عادت للانفصال لن تكون كياناً أو كيانين ولكنها ستصبح أكثر من عشرين كياناً ما بين سلطنات ومشيخات ودويلات صغيرة ولن تتوحد مرة أخرى حتى قيام الساعة .. ولذلك لا أعتقد أن أحداً مهما كانت أنانيته سيرضى أن تتمزق اليمن مرة أخرى بل أنا على يقين أن الحالة لن تعود أبدا ، وما يمكن أن يحصل بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي إن شاء الله ستشارك فيه كل القوى الوطنية تحت مظلة الثوابت الوطنية التي لا يختلف عليها إثنان ، إما أن يتفقوا على استمرارية الوحدة الاندماجية تحت نظام برلماني ديمقراطي أو سيتفقون على اتحاد فيدرالي متعدد الأقاليم ، وفي كلا الحالتين ستظل اليمن موحدة لن تنفصل حتى قيام الساعة ولو كره الكارهون .. لكن المهم أن لا تكون تلك الفيدرالية حسب ما ينادي بها ذلك العطاس ويحلم بها البيض ليعملوا من جديد بعد سنوات ليحققوا طموحهم وهدفهم بإعادة دولة الجنوب العربي ، ولن يكون ذلك إلا بجز الرقاب شاءوا أم أبوا ، فالوحدة ستظل إن شاء الله وسيظل زخمها يتعاظم في ظل الدولة المدنية التي سيتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات في الخير والنماء والتطور ، تكون ثروات البلاد لكل المواطنين ولخير كل الشعب ، لأنها وحدة ليست لصالح أحد مهما كان ولا يحق لأحد أن يدعي أنه وحده كان صاحب الفضل فيها ، بل هي فعل جماعي وجهد جماعي أيضا ومن ينكر جهد الآخرين ينطبق عليه قول الشاعر: ( وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ) ..