كان مزاجي قد ظفر بالكثير من الرواق بعد خطاب الهزيمة في القاهرة فذهبت إلى النوم لكن ساعة لم تمض حتى أفقت على صوت رضوان :مظاهرة حاشدة في طريقها إلى أمام المحافظة تهتف بسقوط النظام ,قال لي ذلك بعد طرقه الباب بقوة ومناداتي بصوت لاهث ,ثم وقوفه متسمرا يركز نظره في جهة واحدة كما لو كان مدهوشا للذي يجري. ها هو ذا إعصار الربيع الغاضب يجتاح تعز إذا ,هبي يارياح الثورة فما عاد بنا طاقة لاحتمال المزيد !. كان علي أن استفيق أنا أيضا ,وأرتدي ملابسي في ارتباك وعلى عجل للالتحاق بالمظاهرة .. ثمة أمور كثيرة تدفع الانسان لإرباك ذاته بمبرر العجلة ثم لاتستحضر الذاكرة تلك المشاهد بعد ذلك سوى في جلسات السخرية من الذات ؛بيد أن هذا هو المشهد الوحيد الذي تستحضره الذاكرة الآن بكثير من الجدية والصرامة فقد كانت الثورة عملية صارمة وما كان لشخص مثلي لم يتذوق حلاوة الثورة ,ولاعاش تفاصيل عمل ثوري من قبل أن يستقبلها دون السقوط الاجباري في مربع الارتباك والانشداد والذهول. ليلة ال 11 من فبراير كانت حافلة بكل ما يبعث على الدهشة والذهول. تعز تأخذ فجأة شكل الثورة .. وأرنستوا تشي غيفارا ينسل في ليلة مقفرة دون أن تدري سلطات صنعاء ليظهر في شوارع تعز ,تذكرت ساعتها كل ما قرأته عن معارك جيفارا الليلية ولاحظت الكثير من أوجه التشابه مع فارق أن صوت البندقية كان هو الحاضر في معارك القديس غيفارا ,بينما حضر صوت البطون الخاوية ,والألسنة الناشفة ,والحلوق المبحوحة في تعز في ليلة أولى «ثورة ». كانت هواجس كثيفة وغريبة «وحارة» تغزو مسامات بالي بينما كنت لا أزال مشدودا لصوت عمرو سليمان “ قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية ....آه هذا الذي نريده نحن أيضا هنا في تعز فقد سئمنا علي عبد الله صالح ونظام حكمه الاستعلائي التسلطي الباغي ..سئمنا العيش الدائم على حواف القلق ,والخوف ,والجوع والبؤس والحروب والموت والكوارث والدمار. كنت أقرأ ذلك في عيون الغاضبين فيزداد يقيني بأن واقعا جديدا قد أخذ يتشكل على الأرض ..واقعا يشبهنا إلى درجة التطابق من حيث كونه نزاعا إلى العبوس والتمرد والغضب والانفجار ... والثورة. التحم واقع الليلة الغاضبة بأفئدتنا ,والتحمت تعز بالحلم ,وذرفت مآقينا دموع الفرحة بغزارة وتشبثت حلوقنا بهتاف “ ارحل “ ..حتى انبلاج الفجر ! رابط المقال على الفيس بوك