كلما اقترب موعد الحوار كلما ارتفعت حدة الصراع على أساس الهويات المناطقية والمذهبية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل سيكون الحوار القادم حواراً بين الهويات المناطقية على حساب الهوية الوطنية؟. إذ تفيد معطيات المشهد والإجراءات المتبعة في عملية التحضير لمؤتمر الحوار الوطني بما لا يدع مجالاً للشك أن الحوار القادم لن يكون «حواراً وطنياً شاملاً» بحسب تسميته أو بحسب ما هو متفق عليه من قبل. علماً أن المبادرة الخليجية كانت قد أحيت الآمال في نفوسنا عندما اقتضت ضرورة إجراء حوار وطني شامل بين اليمنيين. فاليمن أحوج ما تكون إلى حوار وطني يلم شمل اليمنيين ويوحد كلمتهم ويخرجهم من منطق الاستحواذ بالقوة على السلطة إلى إمكانية التداول السلمي للسلطة، ويساعدهم في تجاوز لغة الرصاص التي ظلت هي السائدة على الواقع اليمني قرابة نصف قرن من الزمن. فالمتتبع لأوضاع اليمن عن قرب سيجد أن اليمنيين وعلى مدى أربعة عقود خلت من الزمن لم يصنعوا سوى الدمار والخراب لبلادهم بمشاريعهم السياسية، وأنهم لم يجيدوا فيما مضى غير لغة الحروب على خلفية مشاريعهم السياسية ذات الطابع الأيديولوجي في معظم حالتها. لذلك كنا نأمل أن يكون الحوار فرصة حقيقية لمراجعة حساباتنا السياسية، وأن يكون الحوار محطة ننقد من خلالها أوهامنا الأيديولوجية، كنا نأمل أن نخوض حواراً يثبت قدراتنا الإنسانية ويسترد هويتنا الحضارية بين الأمم والشعوب. ولا يمكن أن نحقق أي نتائج إيجابية بالحوار، ولا يمكن أن يكون للحوار أي جدوى أو أهمية إلا إذا كان الحوار حواراً وطنياً مفتوحاً وغير مغلق، بمعنى أن يكون الحوار حواراً وطنياً وليس حواراً سياسياً.والفرق بين هذا وذاك أن الحوار الوطني يكون بين وجهاء البلد وحكمائها وعقلائها، وإن كانوا من خارج الأطر السياسية، وأن يتم التحاور بينهم على أساس المصلحة الوطنية العامة، وفي هذه الحالة فإن الحوار سيعمل على إصلاح ما أفسدته التجارب السياسية في هذا البلد المغلوب على أمره. أما الحوار السياسي فإنه يتم بين فرقاء العمل السياسي وأصحاب التجربة السياسية، هم وحدهم من سيتحاورون مع بعضهم، وفي هذه الحالة سيكون الحوار حواراً مغلقاً وغير مجدٍ؛ لأنه سيكون حواراً نخبوياً صرفاً، وسيتمحور الحوار حول مشاريع السياسيين وقضاياهم ومشاكلهم، وإذا تم الحوار بهذه الطريقة فإنه غالباً ما سينتهي بالتقاسم السياسي للسلطة، وهذا التقاسم بدوره حتماً سيؤدي إلى صراع قادم، وسنظل ندور في حلقة مفرغة نهدر أية فرصة تلوح لنا في الأفق ونسيء استخدامها في غير موضعها. وإذا سار الحوار وفق أنساقه النخبوية فلن يكون له أي أثر إيجابي فيما يتعلق بأوضاع البلد العامة لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد. وهذا ما يجعلنا نشعر بالتشاوم، بل ولهذا السبب يخالج الإحباط مشاعرنا السياسية؛ لأننا كنا نأمل أن تتاح الفرصة أمام اليمنيين لخوض غمار حوار حقيقي بين اليمنيين كأفراد شعب وليس كأطراف سياسية. ولعل المتتبع حالياً للأطروحات السياسية الموازية للحوار سيجد أن هناك مشاريع أغلبها تقوم على أسس مناطقية، وهناك دعوات مذهبية لا نستطيع إنكارها. ونحن بدورنا لا نستطيع أن نلوم الناس؛ لأنهم يتحدثون عن مناطقهم أومذاهبهم، لكن يحز في نفوسنا أن يتحول اليمن الكبير إلى مناطق صغيرة برؤوس أبنائه. وإذا أمعنا النضر في مسببات هذه الدعوات وحيثياتها سنجد أن الهم واحد لدى كل أبناء اليمن، بمعنى أن هناك تفاوتاً حقيقياً في درجات المواطنة بين أبناء اليمن الواحد، وهذا يعني من وجهة نضر محايدة أن المشكلة الحقيقية واحدة، وهي التي يعاني منها أبناء الجنوب ويشكو منها أبناء الشمال وهي غياب المواطنة المتساوية. لكن للأسف الشديد نلاحظ أن هناك شطحات وردود أفعال غاضبة غير واعية بما تقول أو تفعل، الأمر الذي يبعث على الأسى أن هناك ابتعاداً عن مشكلة اليمن الحقيقية، وكل الفرقاء المتأهبون للحوار لا نجد فيهم من يتحدث عن اختلالات معايير المواطنة.. ولو أعمل كل الفرقاء عقولهم واحتكموا لضمائرهم لأدركوا وأدركنا جميعاً أن مطلبنا في هذا البلد واحد؛ وهو كفالة حقوق المواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن الواحد، وهذا ما يجب أن نخرج به من حوارنا الوطني الشامل إذا كان فعلاً حواراً وطنياً شاملاً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك