احمد ابو راس كل المعطيات الراهنة والإجراءات المتبعة في عملية التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، تفيد - بما لا يدع مجالا للشك - أن الحوار القادم لن يكون "حواراً وطنياً شاملاً"، بحسب تسميته، أو بحسب ما هو متفق عليه من قبل.
فالحقيقة أن المبادرة الخليجية كانت قد أحيت الآمال في نفوسنا عندما اقتضت بضرورة إجراء حوار وطني شامل بين اليمنيين.
فاليمن أحوج ما تكون الى حوار وطني يلم شمل اليمنيين ويوحد كلمتهم ويخرجهم من منطق الاستحواذ بالقوة على السلطة، ويساعدهم في تجاوز لغة الرصاص التي ظلت هي السائدة على الواقع اليمني قرابة نصف قرن من الزمن.
فالمتتبع لأوضاع اليمن عن قرب سيجد أن اليمنيين وعلى مدى أربعة عقود خلت من الزمن، لم يصنعوا سوى الدمار والخراب لبلادهم بمشاريعهم السياسية، وأنهم لم يجيدوا - فيما مضى - غير لغة الحروب على خلفية مشاريعهم السياسية ذات الطابع الأيدلوجي في معظم حالتها.
لذلك كنا نأمل أن يكون الحوار فرصة حقيقية لمراعاة حساباتنا السياسية، وأن يكون الحوار محطة ننفذ من خلالها أوهامنا الأيديولوجيا، كنا نأمل أن نخوض حواراً يثبت قدراتنا الإنسانية ويسترد هويتنا الحضارية بين الأمم والشعوب.
ولا يمكن أن نحقق أية نتائج إيجابية بالحوار، ولا يمكن أن يكون للحوار أي جدوى او أهمية، إلا إذا كان الحوار حواراً وطنياً مفتوحاً وغير مغلق. بمعنى أن يكون الحوار حواراً وطنياً وليس حواراً سياسيًا.
والفرق بين هذا وذاك، أن الحوار الوطني يكون بين وجهاء البلد وحكمائها وعقلائها، وإن كانوا من خارج الأطر السياسية، وأن يتم التحاور بينهم على أساس المصلحة الوطنية العامة، وفي هذه الحالة فإن الحوار سيعمل على إصلاح ما أفسدته التجارب السياسية في هذا البلد المغلوب على أمره.
اما الحوار السياسي فإنه يتم بين فرقاء العمل السياسي وأصحاب التجربة السياسية، هم وحدهم من سيتحاورون مع بعضهم، وفي هذه الحالة سيكون الحوار حواراً مغلقاً وغير مجدٍ؛ لأنه سيكون حواراً نخبوياً صرفاً، وسيتمحور الحوار في هذه الحالة حول مشاريع السياسيين وقضاياهم ومشاكلهم، وإذا تم الحوار بهذه الطريقة فإنه غالباً ما سينتهي بالتقاسم السياسي للسلطة، وهذا التقاسم بدوره حتماً سيؤدي الى صراع قادم، وسنظل ندور في حلقة مفرغة نهدر أية فرصة تلوح لنا في الافق ونسيء استخدامها في غير موضعها.
وإذا سار الحوار وفق أنساقه النخبوية فلن يكون له أي أثر إيجابي فيما يتعلق بأوضاع البلد العامة لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد.
وهذا ما يجعلنا نشعر بالتشاؤم، بل ولهذا السبب يخالج الإحباط مشاعرنا السياسية لأننا كنا نأمل أن تتاح الفرصة أمام اليمنيين لخوض غمار حوار حقيقي بين اليمنيين كأفراد شعب وليس كأطراف سياسية.
ولعل المتتبع حالياً للأطروحات السياسية الموازية للحوار سيجد أن هناك مشاريع أغلبها تقوم على أسس مناطقية، وهناك دعوات مذهبية لا نستطيع إنكارها، ونحن بدورنا لا نستطيع ان نلوم الناس لأنهم يتحدثون عن مناطقهم ومذاهبهم، لكن يحز في نفوسنا أن يتحول اليمن الكبير الى مناطق صغيرة برؤوس أبنائه.
وإذا أمعنا النضر في مسببات هذه الدعوات وحيثياتها سنجد أن الهم واحد لدى كل أبناء اليمن؛ بمعنى أن هناك تفاوتاً حقيقياً في درجات المواطنة بين أبناء اليمن الواحد، وهذا يعني من وجهة نظر محايدة أن المشكلة الحقيقية واحدة، وهي التي يعاني منها أبناء الجنوب، ويشكوا منها أبناء شمال الشمال هي غياب المواطنة المتساوية.
لكن للأسف الشديد نلاحظ أن هناك شطحات وردود افعال غاضبة غير واعية بما تقول او تفعل، الأمر الذي يبعث على الأسى أن هناك ابتعاداً عن مشكلة اليمن الحقيقية، وكل الفرقاء المتأهبون للحوار لا نجد فيهم من يتحدث عن اختلالات معايير المواطنة في هذا البلد واحد، وهو كفالة حقوق المواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن الواحد، وهذا ما يجب أن نخرج به من حوارنا الوطني الشامل، إذا كان فعلاً حواراً وطنياً شاملاً بحق وحقيقة.