أية مقاربة للأزمة اليمنية لا تنفتح على حقيقتها الماثلة للعيان في التركيبة التي تألف منها نظام الرئيس السابق هي مقاربة بعيدة عن الواقع في التفسير والتأويل، ولا تمكن أحداً من تحديد الحلول الناجعة والمتاحة والتي تنتقل بالأزمة إلى مربع الانفراج. ليست الأزمة في اليمن أزمة صراع بين القوى السياسية يتجاذب الدولة بين خيار المدنية وخيار الدينية، بل هي أزمة اختطاف الدولة قبلاً، لصالح تسلط فردي استبدل النظام ومؤسساته بعصبيات القبيلة والدين التي حلت محل المواطنة والشراكة ومؤسسات النظام وسيادة القانون. قام نظام الرئيس السابق على ثنائية شيخ - رعوي، وهي الثنائية التي استبدلت الدولة بالقرد وعصبيات القبيلة، فكانت الكارثة التي اغتالت الحكم الوطني بدولة أولاً، وبحكم رشيد في هذه الدولة ثانياً من خلال تغييب مشروع الدولة قبل الوحدة في شمال الوطن، ثم سحق هذا المشروع عملياً بعد الوحدة. ومن غرائب المفارقات أن تكون الجغرافيا الطبيعية والبشرية في اليمن والتي هي مجد الحضارات القديمة هي نفسها الجغرافيا التي تنتمي إليها مفاسد ثنائية رعوي - شيخ وعصبياتها. لذا دعونا نقارب الأزمة الوطنية الراهنة، بما سبقها من أزمات في الشطرين قبل الوحدة، لنرى من خلال الرموز الفاعلة في إدارة التأزم حجم الكارثة التي قادنا إليها نظام صالح، فالأسماء التي بنت هذا النظام تكافح الآن من أجل البقاء داخله بكل المفاسد التي أرهقت الوطن وأزهقت المواطنين بالنهب والقتل والإفساد والطغيان. قد لا تكون الميزانية المرصودة للمشائخ مهمة من حيث الحجم، لكنها من حيث القيمة والمعنى أهم الدلالات على ما فعلته ثنائية رعوي - شيخ بالمواطنة والشراكة وبالنظام والمؤسسات، وبالدولة وسيادة القانون، فهذه الميزانية للمشائخ مكافآت لدورهم في إخضاع مناطقهم للدولة التي لا تسعى لتنمية هذه المناطق وإدماج سكانها في النسيج الوطني كمواطنين في دولة، لا كرعية لمشائخ. [email protected]