منّ القيادي في حزب الإصلاح حميد الأحمر على الهاشميين ما نالوه من حماية أبيه المرحوم عبدالله حسين الأحمر منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن حينها, وما حظوا به منه شخصياً من استيعاب وظيفي لهم في شركاته, كما جاء في بلاغ نشرته صحف محلية, نفى فيه ما نُسب إليه من تهديد للهاشميين بطردهم من صنعاء. لم يكن الأخ حميد بحاجة إلى النفي والإسهاب في سرد تفاصيل لا صلة لها بالصراع بين بيت الأحمر وأنصار الله وما يشهده هذا الصراع من مواجهات مسلحة وقتال مستمر بين الطرفين في وادي دنان في محافظة عمران, أقول لم يكن الأخ حميد بحاجة إلى نفي تهديده بطرد الهاشميين لأنه عاجز عن تنفيذ هذا التهديد أولاً, وغير قادر على فعله جزئياً أو كلياً ثانياً, فالتهديد حتى في حالة صدوره مجرد حرب باللسان, قد يكون مسيئاً وغير مستحب سياسياً لكنه يبقى في الأول والأخير مجرد كلام. في الصراع الدائر الآن بين جماعة أنصار الله وبيت الأحمر تتجسد ظاهرة تغييب الدولة واستبدالها بالمشيخة, لتكون الظاهرة الحوثية أهم تجليات استبدال الدولة في عهد صالح بنظام المشيخة, وهو النظام الذي استند إليه حميد الأحمر على فضائية «الجزيرة» لتفسير شجاعته في مواجهة الرئيس السابق حين قال إن من كانت قبيلته حاشد وشيخه صادق لا يخاف. اليوم يؤكد حميد الأحمر الواقع التاريخي لتغيب الدولة من خلال إشارته إلى حماية أبيه للهاشميين منذ قيام الثورة وحتى وفاته, وهي حماية غير معرفة ولا معينة بالواقع, إلا أنها تؤكد ان الشيخ كان بديلاً للدولة في حماية المواطنين, أو كان في مواجهة هذه الدولة لحماية فئة من الشعب من سلطانها وسلطاتها, غير ان تاريخ الجولات الست للحرب في صعدة يكشف عن استمرار نظام المشيخة حين عمل حسين الأحمر على تشكيل جيش شعبي رديف لجيش الدولة قيل إن قوامه بلغ 20 ألف مقاتل, مهمته مقاتلة الحوثيين. في العام 2010م على ما أذكر, نشرت الصحف الحكومية نص وثيقة تعاهد عليها مشايخ قبيلة حاشد تنص على إهدار دم كل حوثي يأتي إلى ربوع القبيلة, أو من ينتمي من القبيلة إلى جماعة الحوثي, وغير ذلك من بنود تجاوزت سلطات الدولة في سيادة القانون على مواطنيها وأقامت بديلاً للدولة في ضبط العلاقات بين الفئات الشعبية ومكوناتها المختلفة ثقافياً وسلالياً وعشائرياً. تمثّل أسرة حميد الأحمر نظام المشيخة وعصبياته المتجاوزة للدولة والبديلة لها في أحسن الأحوال, ويمثل الحوثيون جماعة سياسية وثقافية في نطاق جغرافي, حكمته ثنائية رعوي - شيخ في مجال العلاقات بين الدولة والشعب, وغابت عنه علاقة المواطنة في وطن جامع لأبنائه على الحق والعدل والسلام, وهنا تبرز معوّقات التحول نحو الدولة في واقع جغرافي يتمرد خارج نطاقه التاريخي المحدود بما يُعرف ب «مناطق شمال الشمال». أقدم أنصار الله على مهاجمة شركة «سبأفون» وإغلاق مكتبها في محافظة صعدة, فرد الأخ حميد وفقاً لمصادر صحفية بقطع خدمات الهاتف الثابت والنت ويمن موبايل عن المحافظة, وفي حين يكون أنصار الله قد استبدلوا سلطان الدولة بقوتهم الذاتية؛ فإن الأخ حميد قام بهذا الاستبدال بزيادة تمثلت في العدوان على بعض مؤسسات الدولة, وهذه هي حقيقة الأزمة المحمولة في الصراع بين بيت الأحمر وأنصار الله, والتي تشمل أيضاً صراعات أخرى للطرفين مع آخرين, وصراعات غيرهم مثل بعض حروب الثأر في تلك الجغرافيا. أتفق مع الأخ حميد فيما ورد في بيان نفى تهديده للهاشميين, بهذا النص: «أؤكد هنا أن الحماية الحقيقية لأي مواطن يمني ليست بالانتماء إلى جماعة أو حزب أو قبيلة أو منطقة بقدر ما يحرص الجميع أن يتعاونوا بصدق في إيجاد الدولة العادلة الراشدة التي يحكم فيها شرع الله ويتساوى فيها الجميع أمام القانون». وهنا نؤكد من جهتنا ان سيادة الدولة على كل إقليم ممكن بالقبول الطوعي لمواطنيها, أي بتخلي المواطنين طواعية عن استبدال الدولة بكيانات بدائية, والقبول بهذه الدولة، وأولى الخطوات في هذا الاتجاه تأتي من بيت الأحمر وجماعة أنصار الله في وضع خلافاتهم على طاولة الدولة وتحكيم مؤسساتها في حسمه بعدل وإحسان, ربما نشجع الطرفين على الذهاب إلى مكتب النائب العام, وإبقاء الصراع السياسي بينهما في إطار التعددية والسلمية المتاحة لهما في الهامش الديمقراطي الراهن, والعمل على الخروج من دوامة أزمات تغييب الدولة واستبدالها بما قبلها من كيانات قائمة على العصبية الجهوية والفئوية إلى قضاء الدولة والدولة فقط, ثم بناء ما يستحقه هذا الشعب في هذه الدولة من رشد ومدنية ومن مساواة وعدل وحق في المواطنة والسلم والرخاء والرفاهية, بعيداً عن القتل والدمار وعن الثأر والانتقام. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك