ربما تشير عبارة “الدولة التي نريد” إلى القضية الغائبة عن الاهتمام السياسي والإعلامي، وحتى الاهتمام الشعبي والنخبوي، بالحوار الوطني المرتقب، وربما تشير إلى قضية مغيبة عمداً من قبل قوى لها بواعث ومقاصد من التغييب السائد والدائم للدولة المنشودة في اليمن لليمن، وإذاً أرجح الاحتمالين معاً، أي الغياب والتغييب، باعتبار تجلياتهما المشهودة في التاريخ والواقع، فإني أدعو القوى الوطنية والسياسية، والنخب المثقفة إلى استحضار قضية الدولة الغائبة والمغيبة إلى الوعي والواقع ، لتصبح الدولة هي القضية المحركة لاهتمام القوى الوطنية في مختلف مواقعها وعلى جميع المستويات. ولأن الدولة تختزل في أسمها، كمفهوم مجرد، العناصر الثلاثة المكونة لها ، مبني ومعنى، أي: الأرض بما هي الوطن / الإقليم والسكان بما هم المواطن/ الشعب، ثم السيادة بما هي نظام سلطة، أقول ، لأن الدولة هي هذه الثلاثية، فإن كل القضايا وجميع الشئون والأمور العامة منها والخاصة، مرتبطة ارتباطاً وثيق العروة العصية على الانفصام بالدولة ، فإذا كانت أزمات بعض الأقطار العربية محدودة بما بعد قيام الدولة أي في المؤسسات التكوينية للدولة، فإن الدولة نفسها هي القضية المحورية في اليمن، أي أن المطلب الجامع لليمنيين يتحدد بعيداً عن ماهية الدولة وطبيعتها ليكون في الدولة ، ابتداءً بالخروج من عصبيات ما قبل الدولة إلى الدولة. بناءً على هذا أقول إن الدولة هي العنوان الجامع للأزمة الوطنية وللتغير المنشود في آن، لأننا لن نستطيع، بل لن نسعى لتغيير أي عنصر من الثلاثية المكونة للدولة بقدر ما نستطيع ويجب أن نسعى، لتغيير ما هو قائم الآن من أشكال التعبير عن هذه العناصر بكيانات تمثل ما قبل الدولة الوطنية، أو ما هو دونها من فردية متسلطة بعصبياتها القرابية الفاسدة والمفسدة، وبعبارة أخرى، إن الهدف الوطني يتحدد الآن كما تحدد سابقاً في مراحل مختلفة من تاريخ النضال الوطني، ببناء الدولة الوطنية من خلال إعادة بناء عنصر السيادة فيها بمرجعية دستورية حاكمة للسلطة المجسدة لسيادة الشعب على الأرض بقوة القانون، وهذه العملية البنائية، محددة بيسر في بنود اتفاق التسوية وجدول أعمال الحوار الوطني، بالدستور وما يتطلبه من تغيير وتعديل. يكشف تاريخ اليمن الجمهوري عن وقائع قاطعة في دلالتها على أن الدولة الوطنية غيبت في عهد التشطير شمال الوطن، كما في العهد الوحدوي ، بآليات استأثرت بجزء من الأرض والشعب لصالح قيادات اجتماعية قامت أولاً بالتوسط بين الدولة ومواطنيها باعتبارهم رعية مشائخ، لكنها بعد ذلك توسعت في نفوذها لتصبح سلطة الحكم نفسها رعيتها، فاستحوذت على السلطة عصبيات العشائرية العائلية. إذا من هذا الواقع التاريخي ، تبدأ الدولة بالوجود الواقعي من خلال أساس بنائي ووظيفي يعيد بناء العلاقة بين الشعب والإقليم من خلال سيادة مباشرة بين السلطة والسكان، تنتفي معها العصبيات الأضيق من الوطن، والأقل من الشعب، والأمر ميسور هنا، بتجاوز المركزية إلى بديل يقيم علاقة مباشرة بين الدولة والمواطنين، وهذا يتحقق باللامركزية الكاملة، حيث الحكم المحلي الكامل الصلاحيات لا يجررنا فقط من أزمات الاستحواذ والاستئثار، بل يحقق للمواطنة قيمتها المتساوية من خلال الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية المؤطرة في نظام ومؤسسات. إن اللامركزية الكاملة، سواءً قامت على الأسس الاتحادية، أو على المخاليف “الأقاليم”، أو حتى على محافظات يعاد تقسيمها إدارياً بما يضمن كفاءة وفاعلية السلطة المحلية، أقول إن هذه اللامركزية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الطموح الوطني التاريخي لليمنيين لبناء دولتهم الوطنية، وهو العنوان الذي ينبغي أن يبدأ الحوار فيه وحوله واسعاً وبلا حدود، وهي مهمة، أرى أن حملة الأقلام مسئولون عن أدائها وتنوير الرأي العام بها لتوليد ضغط شعبي على شركاء الحوار الوطني يعينهم على الخروج بنا إلى الدولة والدولة فقط. لقد سنحت لليمنيين فرصة تاريخية يجدر بهم اغتنامها بكفاءة واقتدار لبناء ما حيل بينهم وبينه وصدوا عنه من تخلف الداخل وتآمر الخارج ، وأعني به الدولة الوطنية، القضية الحاضرة في أزمتها التاريخية والغائبة عن اهتمامنا العام بفعل قوى احتكرت المصالح والنفوذ، واستفردت بالقرار والإدارة وهذا ما كشفته الأزمة الوطنية في عناوينها الكبرى: القضية الجنوبية، الحرب في صعدة، إقطاعيات الجيش، والتي فجرت الانتفاضة الشعبية ابتداءً من المحافظات الجنوبية، حتى كل الوطن، والتي تتعرض الآن لتآمر مدعوم بالخارج من قبل مراكز قوى السلطة القديمة. [email protected]