اليمن تزخر بالإبداع بطريقةٍ تلقائية لا لبس فيها ولا غموض.. وكلما ازدادت مشقة الوصول باشر الإبداع نشر كتائبه المورقة.. ونواياه الثمينة بخرق هدنة الصمت. وبرغم عدم إيماني المطلق بجملة «المعاناة تولّد الإبداع» إلا أنّ طفولة المعاناة تتراكم في العقل الباطن لتصبح ذات يومٍ عملاً إبداعياً يستقرّ مباشرةً في ذاكرة القارئ كفسحةٍ مضيئة لا إضافة عناء يستدعي شبهةً مّا أو لعبةً شريرة يتجاوزها المجتمع. الدكتورة شروق حسين عطيفة شابة يمنية تنضحُ نُبلاً وهدوءاً تلقائياً كحروف روايتها المتسربة للأعماق والذاكرة دون رتوش أو كدمات لا يفخر بها العليل والعلّة ذاتها. روايتها «المتمردة» الصادرة عن دار الفارابي بلبنان في العام الماضي 2012م والتي تحوي تفاصيل انبعاثات البطلة وانكساراتها وأحلامها في 139 صفحة.. لا يستطيع القارئ أن يقرأ سطورها الأولى حتى يجد نفسه في آخر صفحةٍ منها يقضم شفتيه حسرةً على انتهائها.. وكأنها فسحته رغم أحزانها.. ودهشته رغم نهاراتها الحزينة.. وطوق نجاته رغم نهايتها المفتوحة للريح. الرواية موجعة بقدر فرائحها.. تلتهم القارئ اليمني والخليجي والعربي بشكل متكامل، ولا تنحصر بذهن القارئ اليمني فقط.. رغم تركيزها على التعريض بأهم مشاكل اليمنيين بطريقة موفقة.. وحفظت للعادات والتقاليد نموذجها الطيب رغم التمرد التي ترتكز عليه الرواية.. ورغم اشتغال الرواية على العاطفة إلا أنها لم تترك العاطفة تأخذ مداها بطريقة تتعدّى واقع تقاليد المجتمع حتى وهي تسرد خصوصية انفعال البطلة بهواجس عاطفتها تجاه محمد الغريب عنها وقبله ابن عمها حسن. الرواية لا تتصادم مع المجتمع اليمني رغم رفضها للواقع.. بل هي تقدم حلولاً لبعضها بطريقة مبهمة.. وتمهيداً لثورة مجتمعية آتية إن لم يلتقط المعنيون بالأمر رسالة الرواية والهدف منها. هند ابنة عم البطلة.. تمثّل واقع أغلب الشباب من الجنسين في تقليدهم الأعمى وانبهارهم بكل ما هو أجنبي على وجه الخصوص.. وفي ذلك عبرة موحشة ستجدها الفتيات قبل الفتيان؛ إذ إن عقدة الأجنبي ستتضح في الفرد قبل عُقد المجتمع وتقاليده وعاداته المختلفة سلباً وإيجاباً. جرّبت اختباري شخصياً هل سأصحو من نومي وبجواري ليلى وهواجسي بها وبانفعالاتي الشخصية خاصة التفكير بما تود أن تبوح به ولم تبح.. وصحوت أبحث عنها أو بالأحرى أنتظرها على مقربة من شقتها لمتابعة تفاصيلها اليومية.. وهذا الأمر أكد لي تأثري بالرواية كقارئ تماهى مع سطورها وغاصت فيه بطريقتها المبسّطة في حرفها.. والمعقّدة في تراكيب أقدار أيامها.. لكنها رواية تستحق الاحتفاء بها وتسويقها بشكلٍ أكبر لتصل للريف قبل المدينة.. وللمقايل قبل صالات دور الثقافة المغلقة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك