ترى ماذا يقصد الحراكيون بحديثهم عن الجنوب ..هل يقصدون الجنوب الجغرافي ؟ أم انهم يقصدون الجنوب السياسي الذي كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟وما مدلولات الجنوب؟! من الواضح أن الحديث عن الجنوب على علاته يوحي للمهتمين خارج اليمن ان الجنوب المقصود هو جنوباليمن وعندما نقول لفظة (جنوب )فهذا يعني أننا نرتكز على علم الجغرافيا والحقيقة إن الخطاب يتناقض كليا مع علم الجغرافيا وواقعها على الارض تماما ،فاذا احتكمنا الى علم الجغرافيا وعدنا الى ابجدية الخريطة الجغرافية لليمن فسنجد أن المحافظات الواقعة في جنوباليمن هي ست محافظات تعز ،إب، الضالع،لحج ،عدن ،أبين. وبين هذه المحافظات يؤكد علم الجغرافية ان محافظة تعز تقع في قلب المركز الجغرافي لجنوباليمن ، وهذا ما يدركه اي طالب نبيه في قسم الجغرافيا فما بالكم لو عدنا الى اكاديمي يعلم الجغرافيا. كما أن أمهات الكتب في الجغرافيا تؤكد هذا الكلام بالحرف الواحد وقد جاء في كتاب “معجم البلدان” لمؤلفه ياقوت الحموي ان مدينة تعز تقع في جنوباليمن وبهذا افاد ابو الحسن ابن يعقوب الهمداني في كتابه “صفة جزيرة العرب” ،ولو ان عالما من جنوباليمن اشتهر بالجغرافيا كان سيقول نفس ماقاله سابقوه الا اذا كانت الجغرافيا من نوع جديد. والمشكلة انني تطرقت لهذا الموضوع على صفحتي في الفيس بوك الاسبوع الماضي فانهالت علي الردود كالسهام من قبل إخواننا سكان محافظتي عدن والضالع بالذات وبعضهم اتهمني اني احاول نهب الهوية الجنوبية مثلما نهبت الأراضي وقال آخر بجهالة اكبر انني أؤسس لنظرية تسرق على الجنوبين هويتهم الجغرافية بعد ضياع هويتهم السياسية على حد قوله. والحقيقة ان هذه الردود لاتنم سوى عن جهل قائليها ،وبناء عليه فالأولى بنا من اليوم فصاعدا ان نتحدث عن الجنوب بحذر وتبصر وان لا نورد كلمة (الجنوب) إلا وهي بين قوسين ، بمعنى ان الجنوب المشار اليه بين قوسين هو جنوب سياسي وليس جنوباً جغرافياً. أما إذا كنا فعلا نفهم خارطتنا الجغرافية فسندرك جيدا ان محافظات حضرموتوشبوة والمهرة لا تقع في جنوباليمن وإنما تقع في اقصى شرق اليمن ...فكيف نتحدث عنها على أنها جنوب . ومن ناحية واقعية لو عدنا الى واقعنا واحتكمنا الى خصوصياته لو جدنا ان محافظة مأرب امتداد لمحافظة شبوة ومحافظة تعز امتداد لمحافظة عدن ليس في الجغرافية وحدها وإنما بالتاريخ والدراسات السكانية . فالدراسات السكانية تؤكد ان سكان مأربوشبوة متجانسون ومتشابهون في المأكل والمشرب والملبس والثقافة وحتى الأعراف العشائرية والاجتماعية وتفاصيل الحياة الصغيرة التي لايراعيها السياسيون ولايأخذونها بعين الاعتبار ومهما أوتينا من قوة لايمكننا الفصل الواقعي بين سكان مأرب وسكان شبوة وكذلك قبائل البيضاء وقبائل أبين وعلى نفس المنوال تسير العلاقات بين سكان تعزوعدن فسكان تعز اقرب الى سكان عدن من سكان شبوة وسكان شبوة اقرب الى سكان مأرب من سكان تعز، اذا فالربط بين سكان تعزومأرب هو من قبيل الخطأ في التقسيم الاداري وكذلك عزل مأرب عن شبوة وربط شبوةبعدن هو الاخر من قبيل السياسة الجاهلة بخصوصيات الواقع وعناصره السكانية . وفي هذه الحالة نجد أن إعادة النظر في صيغة الخطاب ستقودنا الى إعادة النظر في صيغة المضمون أيضا ومكوناته وستتيح لنا فرصة ان نتشكل من جديد على اسس علمية ومعرفية وواقعية تكون اكثر ملاءمة للتطور الاجتماعي والتنوع الثقافي الذي سينمو وفق عوامله الطبيعية بدون اجهاض. وأجزم لكم انه اذا اتيحت لنا فرصة للنقاش الهادئ والرصين على هامش الحوار الوطني فإننا سنجد أنفسنا أمام إشكاليات واقعنا الحقيقية وسنكتشف ايضا أننا كنا نجري وراء أوهام شعبوية ديماغوجية زرعتها لنا السياسة الايدلوجية القمعية. وسندرك جيدا انه لا صحة لما ندعي ونقول لا من الجغرافية ولا من التاريخ ولا من الدراسات السكانية التي ينبغي ان تكون نصب أعيننا في كل حديث عن تقسيم بلدنا. وعلى سبيل المثال كيف يحق لإنسان في مدينة الضالع ان يتحدث باسم إخواننا في محافظة حضرموت ويحتكر حق تمثيلهم بصفتهم جنوبيين وهو في نفس الوقت يرفض القبول بأبناء قعطبة ودمت المحاذية له ؟ وكيف يحق لجماعة من أبناء الصبيحة أن يتحدثوا عن أبناء المهرة بصفتهم جنوبيين وهم في نفس الوقت لايقبلون الحوار مع أبناء القبيطة والمفاليس وهم في منطقة جغرافية واحدة . لو أننا فكرنا بواقعية لوجدنا أننا ضحايا خطاب سياسي غير عابئ بخصوصية الواقع أو أننا ضحايا تقسيم اداري يجهل علوم الادارة ومرتبط بسياسة خرقاء أوصلتنا الى ما نحن فيه. وسندرك ايضا ان الحراك الموجود الآن لايمثل سكان جنوباليمن حتى يجيز لنفسه الحديث باسم الجنوب الجغرافي لأن هناك قرابة أربعة ملايين نسمة سكان محافظتي تعزوإب ليسوا ممثلين في هذا الحراك وهم فعلا من ابناء جنوباليمن ولايستطيع احد انكار هذه الحقيقة الجغرافية . إذا الحراك الموجود في بعض المحافظات الجنوبية وبعض المحافظات الشرقية لايمثل سكان جنوباليمن ولايمثل سكان شرق اليمن كلهم ولايمثل سوى سكان ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. فلماذا لايمتلك رواد الحراك الشجاعة الكافية ويوحدون صفوفهم ويتحدثون فقط عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفك ارتباطها من الجمهورية العربية اليمنية ،هذا اذا كان ذلك ممكنا وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع مشروع فك الارتباط الذي اخترعه علي سالم البيض إلا أنه اكثر واقعية ،أما الحديث عن الجنوب فإنه حديث ينضح بجهالة متحدثيه ولايليق بهم تكراره في كل محفل وعبر كل القنوات الفضائية والمحلية . أما الذين يتحدثون عن مشروع الجنوب العربي فهم ايضا واقعون في نفس المشكلة الجهل بعلم الجغرافية فالجنوب العربي في الخريطة يعني كل ارض يمنات التي تقع في جنوب الجزيرة العربية وهذا ما أورده مؤسس علم الجغرافية الشهير ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان،اذا فالحديث عن سكان الجنوب العربي يعني الحديث عن سكان صنعاءوعدنومأربوحضرموت وذمار وعسير وتهامة كل هذه المحافظات لأنها تقع في الجنوب العربي هذا من الجانب الجغرافي لكن اذا كان هناك مدلول سياسي لمشروع الجنوب العربي فمن باب أولى ان نصحح دعوانا ونتحدث بصيغ سياسية بعيداً عن الإيحاءات الجغرافية . أما اذا تحدثنا عن التاريخ فسنجد ايضا في امهات الكتب التاريخية ان اليمن لم تعرف نظام الدولة المركزية إلا ثلاث مرات خلال الف وسبعمائة عام وفي كل مرة لايستمر حكم الدولة المركزية اكثر من خمسين عاما ثم تتفكك الى دويلات صغيرة . في نهاية المطاف يتبين لنا ان حديث الحراكيين عن جنوباليمن ليس له ما يسوغه من علم الجغرافية أو التاريخ ،وليس امام الحراكيين سوى خيارين لا ثالث لهما الاول ان يتحدثوا باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ،واذا كان الحديث عنها غير ممكن وغير مقبول فليس من حق أي احد أن يتكلم إلا عن منطقته فقط ،لأنه حتى الحديث عن جمهورية اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية هو حديث عن اشكال سياسية لاتنتمي الى تاريخ اليمن العريق بقدر ما تنتمي الى تاريخ مرحلة عالمية مرحلة الحرب الباردة بين روسيا وامريكا حيث اقتضى الصراع بينهما ان تكون هناك دولتان مركبتان بالمقلوب وهذا الأمر لا يعنينا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك