في ظل تعقيد المشهد السياسي القائم يعيش اليمن هذه الأيام حالة من الغموض والترقب وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، وهي بلا شك مرحلة خطيرة وحساسة في حياة اليمن واليمنيين ولكن الجميع يعلق آماله ويوصل حبال تفاؤله بالحوار الوطني المزمع انعقاده في الثامن عشر من الشهر الجاري مارس. وإذا أردنا أن نتحدث عن أهمية الحوار، نجد أنه يشكل أسلوباً حضارياً للأمم المتحضرة الواعية، وينمّ عن ثقافة وطنية عالية ومتقدمة ومتجذرة في الأوساط السياسية والثقافية، وفي ديننا الإسلامي يحتل مجال الحوار موقعاً مهماً بل ويُعتبر قيمة من القيم الحميدة والمهارات المطلوبة، وبإلقاء نظرة فاحصة على كتاب الله الكريم نجد أنه يحتوي على كثير من الآيات التي تشير إلى أهمية الأسلوب الحواري في التغيير، وفي السنة النبوية المطهرة يضرب لنا الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أروع الأمثلة وأدقها في كيفية التعامل مع أصحابه وأفراد مجتمعه بل وأعدائه إبان دعوته. وبطبيعة الحال فالحوار مطلب ملح للتشاور والنقاش حول كافة قضايا المجتمع وهمومه ومشكلاته وآماله وطموحاته، وفق أطر وثوابت المجتمع الدينية وفي ضوء قيمه وعاداته وتقاليده وأعرافه الحميدة. إذ أن الحوار الوطني هو مفتاح لكل غامض وكل أمر لا يُتفق عليه، به تُجمع أفكار المجتمع وتوحد صفوفهم ويجعلنا نتقدم متفقين بطريقة راقية منفتحة ، والحوار الوطني فتح حوارا بين المجتمع وأفراده بشتى انتماءاتهم السياسية والفكرية وبين الشعب وحكومته ومؤسساته، وفتح نقاشا في كثير من الأمور التي تهم المجتمع. ورغم أن الحوار الوطني اليمني هو بند نصت عليه المبادرة الخليجية لكن وبكل حزم يجب أن يكون حوارا باسم اليمن لا بأي مسمى آخر، حوار من أجل الخروج برؤية ليمن حديث آمن مستقر ووضع أٌسس ذلك عملياً لا من أجل تنفيذ بنود اتفاقية، إذ لا بديل لليمن غير الحوار والجلوس على طاولة واحدة . ولمن يشنعون على الحوار فالجلوس على طاولة الحوار لا تعني البتة.. التنازل عن الثوابت الوطنية والمسلمات الشعبية من هوية وعقيدة وتاريخ ولكن ما دون ذلك مهما كبر أو صغر فهو قابل للنقاش والتفاوض وبما يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطن. إن صهر كل المطالب وكل القضايا المطلبية والسياسية والتنموية والحقوقية في إطار الحوار الشامل وتحت مظلة اليمن الموحد القوي قد تعيد التوجه الشعبي إلى المسار الصحيح , والاتجاه قدماً إلى توفير الجهود الجبارة والارادات العصيّة لإحداث جوهر التغيير , وكسر حواجز الأمس وغرس ثقافة جديدة تلبي طموحات الشعب اليمني وترمم ما تم هدمه من مقومات الأخوة والتعايش السلمي، و إحداث نقلة نوعية وعظيمة في جميع مستويات الحياة الاجتماعية والتنموية وحتى السياسية والثقافية . إننا بالحوار والحوار فقط سنتغلب على قوة السلاح ونزع السلاح الثقيل، وبسلاح الحجة والمواجهة الفكرية نستطيع الانتصار للإرادة الوطنية وتجنيب اليمن مخاطر الكوارث والحروب، وبما يساهم في تقويض التدخل الأجنبي بكافة صورة وأشكاله , إن مشاركة كل الأطراف سياسية كانت أو حركية وفكرية لهو أمر هام في تحقيق ذلك بل وحتى القاعدة لو دعيت للحوار بشروط واستجابت هي لكان ذلك أمراً حسنا يسهم في تحقيق السلم والأمن الاجتماعي والقومي. وأعلم أن الدعوة إلى الحوار مع هذا التنظيم قد لا تلاقي ترحيباً كبيراً من قبل كثير من الأطراف السياسية و-ربما لأسباب دولية خارجه عن إرادتها – لذا فهم يتجهوا إلى الخيار والحسم العسكري لاستئصال التنظيم من محافظات الجمهورية , ولكن هذه النظرة أعتقد أنها قاصرة وينقصها الكثير من التعقل والحكمة, ‘إذ أن الحوار مع تنظيم له تواجد في بعض مناطق الجنوب والشمال على حد سواء, لهو كفيل بنزع أيديولوجية البقاء للتنظيم والقائمة على كسب التعاطف واستنفار الهمم والمشاعر ضد التدخل الخارجي , وبالرغم من أن اكثر المنضمين مؤخرا لا توجد لديهم القناعات بالانضمام أو الاعتقاد بأفكار التطرف. وكذلك بالنسبة للحوثيين فكلاهما يشتركان في التمنطق بالسلاح واستخدام القوة وإنشاء الولايات والإمارات والممالك الصغيرة، فلقد خرجوا على الدولة بالقوة واستخدموا السلاح بشكل خاطئ، فإن هم نحوا السلاح جانباً وتمنطقوا بالحكمة فذلك خيراً لنا ولهم وبه نحفظ إخوتنا ووحدتنا وأمننا، يجب أن يقدموا مصالح الوطن واستقراره على أهداف فئوية وشخصية تخدم جهة معينة مهما كان التنظير لها فاليمن فوق كل اعتبار.؟ وإن كان لهم حقوق يطالبون فليطرحوها في الحوار بدلاً من طرحها بأفواه البنادق والبارود. وكذلك الأخوة في الجنوب الذين تهمهم فعلاً القضية الجنوبية الحقوقية المطلبية يجب أن يتيقنوا أن قضيتهم العادلة في اطار الحوار محلولة وبإجماع كل اليمنيين من الشمال والجنوب، أما من يتاجرون بها ويشحنوا الشارع بالبغضاء فليس لهم مصلحة في استقرار البلد بقدر ما تهمهم مصالحهم وأهواءهم الشخصية. إن الجلوس على طاولة واحدة يُمثل فيها كل اليمنيين له دلالات عديدة من مستوى الحس الوطني الرفيع لدى أغلب القوى السياسية والشعبية ومن ناحية أخرى يحمل مفهومات عديدة عن الخيارات الشعبية التي تعكس مدى رغبتها الحقيقية في إحداث التغيير والسلام , ويثبت بان الشعب اليمني مهما قيل ومهما تقلب الزمان عليه شعب حضاري أصيل حكيم ذو عادات وأعراف سامية. ما نتمناه فعلاً هو أن تنسجم أطروحات الحوار الوطني مع خيارات وأهداف الشعب وتسير بصورة متوازية مع تطلعات الشباب وأهداف الثورة الشعبية من إحقاق العدالة الاجتماعية وبناء الدولة الحديثة ومحاسبة كل من أجرم بحق الثورة والشعب, وتحدث التقدم المرجو والتغيير المنشود للسير قدما إلى آفاق الحرية والتطور. نريد حواراً لا من أجل الحوار فحسب ولا لتحقيق مصالح حزب أو طرف على طرف أو لكسب موقف ما ولكنه حوار خالي من كل شيء إلا من مصلحة الوطن وجعلها فوق كل اعتبار، وحوار من أجل الوطن ليس كأي حوار. أيها المتحاورون يا أيتها الأحزاب يا من اُختُرتوا في الحوار ولجانه نناشدكم الله إلا أخلصتم لوطنكم وخلعتم حظ أنفسكم (ولو إلى بعد الانتهاء من الحوار) تجردوا لله ثم لوطنكم، شعبكم ينتظر منكم الكثير فكونوا عند حسن ظن شعبكم ودعوا المكايدات جانبا (للدعاية الانتخابية) واستشعروا أنكم الآن في مجلس تاريخي يؤمل فيه اليمنيون الكثير لإصلاح بلدهم وبنا دولتهم وتحسين أوضاعهم ،وإياكم أن تفشلوا وتذهب ريحكم فالمتربصون كُثر واللاهثون وراء الفوضى وعدم الاستقرار أكثر، فخيبوا آمالهم برقي حواركم وإخلاصكم لوطنكم. أيها المتحاورون من الأحزاب السياسية والقوى الوطنية في مرحلة الحوار هذه نحن أحوج إلى المصداقية والشفافية وجعل الوطن أولا أكثر من حاجتنا للسياسية خداعها ومغالطاتها ، وطننا لم يعد يتحمل ذلك وطننا بحاجة إلى صدقنا وإخلاص نياتنا لننتشل بلدنا من كل مشاكله . وحذاري أن يكون اجتماعكم مجرد زوبعة إعلامية وتصوير كاميرات وبوفية مفتوحة دون العزم والصدق فيما أنتم فيه فلا تضيعوا بلدنا فتنالوا لعنة الناس والتاريخ فليس هناك أي طريق آخر للخروج مما نحن فيه سوى الحوار ثم الحوار ثم الحوار فتحاوروا لا من اجل الحوار واخذ صور التذكار بل من اجل بلدنا الميمون وبناء دولته الحديثة. أيها العلماء والدعاة والمصلحون عليكم واجب ديني ووطني كبير وجهوا الناس للحوار وغذوهم بثقافة الحوار وليكن شعاركم حي على الحوار ما دام أنه سيحل مشاكل اليمنيين ويلملم أوراقهم ويبني دولتهم. يا وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عليكم حمل ثقيل وأمانة وطنية فلا تخونوها، وحدوا ولا تفرقوا قاربوا ولا تباعدوا بينوا للناس أهمية الحوار في إخراج البلد إلى بر الأمان. يا أعضاء لجنة الحوار أنتم تمثلون شعبكم فضعوا أي اعتبار لا يخدم وطنكم تحت أقدامكم وأمضوا حيث إرادة شعبكم فإن أفلحتم وستفلحون -إن شاء الله- ما دمتم صادقين وسيذكركم التاريخ في مرحلة من أصعب مراحل اليمن تعقيدا. والله تعالى نسأل أن يحفظ بلادنا وأن يجمع كلمتنا لما فيه الخير والصلاح للوطن والشعب.