(يظل الإنسان طفلاً، حتى إذا ماتت أمه هرم سريعاً ) هذا قول لأحدهم أصاب عين الحقيقة ... منذ الطفولة لديّ هاجس يلازمني وهو كيف ستموت أمي؟ وكيف ستشرق الشمس بدونها يوماً... أمس تجرأت ودخلت قبرها لأوسدها في مثواها الأخير، لقد شعرت بالأمان لأول مرة في مثل هذا المكان الموحش ...قد يكون ذلك لأنني الطفل الذي يأنس بأمه في كل حال !! أخذتها كما تأخذ الأم رضيعها ووليدها؟! هل هو تبادل أدوار لشيء واحد وكيان واحد وروح واحدة... لافرق بين صورتي ملفوفاً بيدها مولوداً وصورتها ملفوفة بيديّ عند موتها، فكله بالحقيقة ميلاد لحياة أخرى، إنها سلسلة الحياة التي تخرج من قلب الموت .... أصبح الموت لطيفاً ومألوفاً وبوابة نور عندما صار طريقاً سالكاً لأمي... قاومت كثيراً موتها وكدت أقسو على من يقول لي إنها ستموت.. لملمت كل أحلامي كي احتفظ بها، لكنني وجدتها فجأة تتسرب من بين يدي كما يتسرب ضوء الشمس عند الأصيل وهذه هي قصة الحياة والزمان الشارد دوماً ... فوجدت نفسي تردد (من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر) ما أقسى الحذر عندما يخفق وما أمر الأقدار عندما تقرر... لقد كان هناك ظل استأنس به قبل أن يرحل عني ويتركني وحيداً .. لكن الحياة ستمضي إلى مداها والموت بوابة الخلود ومنتهى الاوجاع ...نحن قادمون على الحياة وما نحن فيه ليس إلا مرحلة الموت التي تسبق الحياة وما الحياة إلا الخلود وكل حياة زائلة ليست إلا موتاً (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) .... أريد أن أقول لكل من له أم أوأب أن لا يضيع هذه الفرصة في التجاهل والتغافل .. عليك يا صاحبي أن تنغمس في هذه النعمة وتبر بوالديك، فهو خير محض قبل أن يداهمك الغروب.. أمسك بأقدام أمك وأبيك جيداً لكي تحافظ على طهارتك الإنسانية وجوهر وجودك وقوة وطنك، فالوطن الذي يغيب فيه بر الوالدين وطن ميت يحضر فيه العقوق الذي يخرب كل شيء ... بر بأبيك وأمك وأفعل ما أقول لك قبل أن تفقدها أو تفقدهما وتكون الخسارة أكبر مما تتصور ...فما تفقد الشمس إلا عند الغروب. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك