في النظام الديمقراطي تتألف بنية المجال السياسي من سلطة حاكمة ، وأحزاب متنافسة ، ورأي عام ، بحيث تكون سلطة الحكم محايدة حزبياً، ومفتوحة سياسياً ، للأحزاب المتنافسة على توليها وإدارة مؤسساتها ، بينما تكون الأحزاب مؤمنة بحياد السلطة وانفتاحها على التداول السلمي ، مركزةً على إقناع أغلبية الرأي العام بتأييد برامجها السياسية والتصويت لصالح مرشحيها في الدورات الانتخابية على المستويين: المحلي والمركزي. هذه هي الأنظمة الديمقراطية بأشد عبارات وصفها إيجازاً وبساطة، وهي بهذه الصورة غائبة عن المجال السياسي في كل الأقطار العربية ، ومغيبة عن هذا المجال ، فكراً أو ممارسة بحيث استطيع الجزم هنا بيقين أنه لم تولد بعد في أي قطر عربي الحركة المجتمعية المعبرة فكرياً عن الديمقراطية والمبشرة ثقافياً بقيمها والملتزمة عملياً بآلياتها ومؤسساتها لذلك أقول إن المجتمعات العربية تعيش مرحلة التحول نحو أو الانتقال إلى الديمقراطية وبناء نظامها العام في المجال السياسي وتركيبته المجتمعية. في مرحلة التحول هذه تقتضي عملية الانتقال الديمقراطي تأطير الفكر السياسي وبناء أداة الفعل المحرك لهذه العملية الانتقالية أي البدء بدمقرطة الأحزاب لتكون هي ,باعتبارها أداة الفعل السياسي ,أداة التحول ووسيلة الانتقال نحو الديمقراطية نظاماً ومؤسسات وهنا نحدد نطاق الحديث بالحالة الوطنية أي دمقرطة الأحزاب اليمنية. تتضمن عملية دمقرطة الأحزاب السياسية في اليمن ثلاث مراحل متزامنة ومتكاملة هي: أولاً : الحزب الديمقراطي : وتبدأ هذه العملية من الحزب، أي حزب وكل حزب, بحيث يتحول إلى حزب ديمقراطي وينتقل بفكره وخطابه وبمؤسساته التنظيمية وإدارتها إلى المنظومة الديمقراطية ,قيماً وآليات, ليكون معبراً عن ,وملتزماً بالآتي: “1” حيادية السلطة الحاكمة : وذلك بأن يؤمن الحزب أن النظام السياسي وسلطاته الحاكمة هي بنية محايدة تجاه القوى المتصارعة سلمياً على ولايتها وإدارتها ومفتوحة على الدخول إليها والخروج منها بسلم مصدر شرعيته الوحيد الإرادة الحرة للناخبين في صناديق الاقتراع. “2” التعددية السياسية : وذلك بأن تتحرر الأحزاب اليمنية من طابعها الأيديولوجي المنغلق على الأحادية لتنفتح على حقيقتها السياسية وتعدديتها المتصارعة على السلطة فتؤمن بالاختلاف وتحترم حق الآخر في التعبير عن إختلافه بغير تكفير أو تخوين. “3” الرأي العام : وذلك بأن تؤمن الأحزاب اليمنية بحرية التفكير والتعبير وحرية المواطنين في المعرفة وما يترتب عليها من قدرة على تمييز الاختلاف في برامج الأحزاب والمفاضلة بينها واختيار الأصلح منها لكل دورة انتخابية. ثانياً: الكتلة الديمقراطية : وتنشأ بالتحالف بين الأحزاب الديمقراطية لتعزيز التحول التاريخي نحو الديمقراطية وتنظيم عملية الانتقال إلى قيمها ومؤسساتها وتتكون من تحالف الأحزاب التي قررت التحول نحو الديمقراطية وابتدأت الانتقال إلى مؤسساتها الحركية فكرياً وتنظيماً. تعمل هذه الكتلة على نشر الوعي الديمقراطي وتحكيم القيم الديمقراطية في عملها وعلاقاتها بحيث تحرص في كل نشاطها الحزبي وعلاقاتها البينية على ترسيخ حق الاختلاف وإدارته وحسمه سلمياً واحترام التعددية التي توجب كفالة الحقوق المضمونة في دورات التداول السلمي للسلطة بين الأقلية والأغلبية. ثالثاً : الانتقال الديمقراطي: تعمل الكتلة الديمقراطية للأحزاب اليمنية من اجل الانتقال بالواقع الاستبدادي الفاسد إلى البديل الديمقراطي من خلال تأسيس النظام السياسي على دستور يجسد قيم الديمقراطية ويعبر عن التوافق الوطني حولها كعقد اجتماعي ناظم للحقوق والواجبات. هذا الدستور يتأسس عليه نظام عام وسلطة حكم لن تكون في مرحلتها الأولى سوى تجربة لترسيخ قيم الإلزام والالتزام الديمقراطي تحت رقابة شعبية وضمانة سياسية توفرها الكتلة الديمقراطية حتى تستقر العملية الانتقالية وتتجذر الممارسة الديمقراطية في الوعي الجمعي للشعب ونخبة القائدة من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. أنني هنا لا أتعالى عن الواقع بخطاب تنظيري ولكني أنهمك في هذا الواقع مفكراً فيه ومعبراً عن هذا التفكير للمشاركة في الحوار الوطني.# [email protected] رابط المقال على الفيس بوك