تابعت خلال الأيام الماضية مداخلات وسجالات عديد من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني من مختلف الكيانات والاتجاهات ، لعل أكثر ما يخرج به المراقب هي تلك المرتبطة بأن أكثر المتحدثين – وهذا من حقهم – غرقوا في السجالات السياسية وتناسوا للأسف الشديد القضية الأساس وهي تلك المتعلقة بالقضية الاقتصادية التي تمثل نقطة ارتكاز في إشكالات اليمن وتحدياته الراهنة والمستقبلية. في واقع الأمر لا يستطيع أحد أن يغفل القضية الاقتصادية وصلتها بمجمل الهموم الوطنية، ولذلك فلا جدوى من أية حوارات ما لم تكن هذه القضية حاضرة في أذهان المتحاورين وفي صلب نقاشاتهم، خاصة أن أغلب المشكلات القائمة على الساحة الوطنية وحالات التنافر والتشظي ناجمة في الأساس عن غياب المشروع الاقتصادي الذي يستطيع أن يرشد ويخطط لإدارة حديثة تستفيد من الثروات المتاحة وتوظف الموارد البشرية في الاتجاه الصحيح، حيث ستمكن كل هذه العوامل من التغلب على مشكلات البطالة والفقر وتجفف منابع الفساد والتطرف والإرهاب ومختلف المشكلات المجتمعية. وبما أن الجميع يعوّل على مؤتمر الحوار الوطني كبير الأمل في إخراج اليمن من أزماته الخانقة وبإمكانية أن تكون مخرجاته حلاً جذرياً لتراكم وتعقيدات المشهد السياسي المحتقن، فلابد له أن يكون – أيضاً – مخرجاً آمناً للاختناقات الاقتصادية. وأعتقد أن حل هذه المعضلة الاقتصادية لا يأتي – فقط – بالحصول على المساعدات والتمويلات الخارجية ولكن أيضاً بالإرادة الوطنية القادرة على إفساح المجال أمام القطاعات الإنتاجية، بما في ذلك القطاع الخاص والمختلط حتى تتحمل هذه القطاعات على عاتقها مسؤولية القيام بمهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وفقاً لآليات السوق وحرية الاقتصاد والشراكة المجتمعية.. وهو - بالتأكيد - ما سيضفي على المشهد السياسي والاختناقات الراهنة انفراجاً عاماً سينعكس بالنتيجة على تطبيع الأوضاع الداخلية وإعادة الوئام والمحبة بين أبناء الوطن الواحد. ومن الآن وحتى استكمال مراحل الحوار الوطني، ستبقى الآمال معقودة على النخبة الاقتصادية المتواجدة داخل المؤتمر – على محدودية عددها – في إثراء الموضوع الاقتصادي وجعله حاضراً في مخرجات المؤتمر، وحيث إن الأمر لا يقتصر على هذه النخبة الاقتصادية، فإنه أيضاً في طليعة مهام ومسؤوليات جميع أعضاء المؤتمر الذين عليهم واجب التفاعل - بكل تكويناتهم – مع هذه القضية، لأنها تمثل إحدى آليات تحقيق تطلعات المواطن اليمني في قيام اليمن الجديد.. ولذلك على مؤتمر الحوار الوطني أن يخفف كثيراً الحديث عن السياسة وزواج القاصرات ويكثر من الحديث عن الاقتصاد، لأنه المخرج الوحيد لحل كل ملفات هذا المؤتمر. رابط المقال على الفيس بوك