أمر طبيعي أن تشهد الساحة الوطنية سجالات بناءة ومعمّقة في إطار التحرك السياسي، لعل أبرز تجلياتها تلك المرتبطة بالحوار الجاد والمسؤول الذي يجري داخل أروقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وكذلك خارج هذه الأروقة من خلال الخطاب الإعلامي والسياسي الذي تعبر عنه الفعاليات والقوى الوطنية داخل الساحة ، تعلي فيه أحياناً مطالب إقامة الأقاليم وأحياناً أخرى تدعو إلى إعادة صياغة الوحدة على أسس جديدة تكفل قيم العدل والمساواة والحرية وتحقق شرط المواطنة المتساوية والحكم الرشيد . وأياً كانت هذه السجالات مهما ارتفع سقفها إنما تمثل ظاهرة صحية تعكس هذا المناخ الديمقراطي في حرص جميع الأطراف اليمنية، وكذلك القوى الراعية للمبادرة الخليجية على تأمين المخارج الموضوعية والآمنة لإنجاز هذه التسوية التاريخية وإخراج اليمنيين من أسر تداعيات الأزمة التي عصفت بهم منذ العام 2011 م . وإذا كانت مسارات هذه التسوية السياسية قد توافرت لها ظروف ومناخات مشجعة وداعمة للأسرتين الإقليمية والدولية –وهي على عكس ثورات الربيع الأخرى – فإنها كانت – ولا تزال – بحاجة إلى توافق الصف الوطني الذي عبر عن قوة لحمته وبُعد رؤيته في الاصطفاف والاحتكام إلى لغة الحوار الذي يشهد اليوم نتائج مثمرة مع انطلاق فعاليات الجلسة العامة النصفية لمؤتمر الحوار الوطني على طريق تحقيق تطلعات كل أبناء الشعب اليمني والتي لم تعد تقبل بالتراجع عن الأهداف والمنطلقات التي حملتها ثورة الشباب والحراك السلمي على حد سواء. ولما كانت معطيات الحوار الوطني تشير وتدلل على النتائج المثمرة والايجابية التي قطعتها مسارات التسوية متسمة بالإنجاز الذي يحقق استكمال المهام الوطنية الماثلة أمام أعضاء مؤتمر الحوار الوطني.. وليس ذلك بالمستحيل على من تجشموا عناء تحمل هذه المسئولية التاريخية بكل شجاعة واقتدار في فترة من أصعب فترات التاريخ اليمني المعاصر. إن السجالات التي تدور، سواءً في داخل فعاليات مؤتمر الحوار أو تلك التي تجري خارجه، لا تعبر – فقط – عن تجليات المشهد السياسي الراهن بكل أبعاده الوطنية وآفاقه الرحبة وإنما تستقيم أيضاً مع التحولات الحضارية التي أنجزتها ثورة الشباب والحراك السلمي في إحداث التغيير والتطلع إلى المستقبل، إذ علينا جميعاً التعامل مع هذه السجالات – مهما اختلفنا معها – بكل إيجابية وتشجيع، لأنها تستهدف في المقام الأول والأخير إقامة النظام السياسي الجديد ومنظومة الحكم الرشيد على أسس مدنية وعادلة وغير شمولية تأخذ بالتعدد والتطلع إلى المستقبل الأفضل. رابط المقال على الفيس بوك