قد يعترض الكثير على كلام مثل هذا، ولكن لا يضر أن نسمع، ونجول قليلاً في ساحات فكّر بها آخرون، وننقش على جدران أوقاتنا المملة أهم إنجازاتنا الحضارية خلال قرن منصرم، الذي لم تتقدم فيه عقولنا بحيث نخلق واقعاً يسجله التاريخ، مقارنة بما عليه الأمم الأخرى، والجميع لا ينكر هذه الحقيقة المؤسفة التي نقرها ونحن نعض على أيدينا. ولكنا لا نهتم بمثل هذه الأمور! ماذا يعني العقل والتفكير بالنسبة لنا؟ ما دمنا نأكل ونشرب وننام . فنحن لا نملك حق التغيير، والتمرد على ما ألفناه، وهذا عائد طبعاً لسبب من عدة أسباب كثيرة ، هي ما زرعت فينا الخنوع والتبلد، وحولتنا لمجرد أشباح يسيرون على الأرض، من هذه الأسباب هو مرضٌ تأصل فينا اسماه أحد المفكرين (مرض الطاعة) . الطاعة هذه القيمة الأصيلة ، التي تربّى عليها مجتمعنا العربي ، منذ نعومة أظافره ، لا شك أن من حُسن الأخلاق أن نكون مطيعين ولا نناقش من هم أكبر منا سناً. وقدراً فيما يقولونه ،ويُملونه علينا من تعاليم ، فنجاح الأولاد يقاس بمقدار طاعتهم للوالدين، ولا يتم لهم توفيقٌ إلا ببركة دعائهم، وفي المرافق التعليمية يجب أن يكون الطالب مطيعاً، لا يناقش أو يجادل فيما يتلقاه من علم، حتى وإن أثار ما يتعلمه الشكوك في عقله، فقط يسمع ويطيع، وينبغي أن يردد ما يتلقاه، وهكذا ينتقل الواحد منا من خلية الأسرة التي تحثه على الطاعة إلى المدرسة والجامعة التي تحدد درجاته بمقدار طاعته، ثم مجال عمله الميداني الذي يتطلب منه أن يكون مطيعا لرئيسه أو مديره ، إلى حاكمه المتسلط الذي يمارس نفس المصطلح، بحكم ضرورة (الطاعة ) لولي الأمر والقائمين على مصالح البلاد، وما تزال القافلة تتجه بنا إلى من يُنصبون أنفسهم علماء الشريعة، والذين يبثون فتاواهم القيِمة للناس، وهم أيضاً يجب علينا طاعتهم ، وهكذا في كل مجالات حياتنا نرى (الطاعة) قانوناً لا نستطيع الفكاك منه، ونُكوِّن بذلك هرماً كبيراً من التحجر والجمود ، لامجال للتفكير والنقد وإعادة النظر في كل ما ورِثناه، فتتراكم أجيال من العقول المعطلة، ويموت الإبداع والتجديد، فنحن لا نملك ذواتنا، ولا يمكن أن نحلم إلا ونحن نيام ، فنحن نسخ متكررة من آبائنا وسابقينا!. لم يكن الإبداع والفن والاكتشافات إلا من أناسٍ تمرّدوا على السائد والمألوف، وحاولوا أن يقتحموا عوالم جديدة، ونحن باسم الطاعة، ها هنا قاعدون!. رابط المقال على الفيس بوك