في الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون إلى ما سيحرزه مؤتمر الحوار الوطني الشامل من نتائج تعالج كل القضايا المطروحة أمامه وبما يحافظ على وحدة واستقرار وأمن اليمن.. ويُحقق لليمنيين تطلعاتهم في قيام الدولة المدنية الحديثة بمؤسساتها الدستورية ونظامها الانتخابي الأمثل الذي من خلاله يستطيع اليمنيون تحقيق ما ينشدونه من تغيير في واقع حياتهم السياسية والاقتصادية والمعيشية، في هذا الوقت تعاني إحدى محافظات الجمهورية بامتدادها الجغرافي الواسع وكثافتها السكانية الكبيرة، من ممارسات لا يقرها دين ولا شرع ولا قانون ولا حتى الأعراف القبلية التي تأبى الظلم والاضطهاد والتعسّف والقهر لأيّ إنسان كان، فأبناء محافظة الحديدة أو أبناء تهامة (الذين يحبون هذه التسمية) يعيشون أوضاعاً مؤلمة نتيجة الظلم الذي يلاقونه في مختلف مجالات الحياة، عبّروا عنها باحتجاجات مطلبية سلمية تعاملت معها أجهزة الأمن بقسوة، مما أدى إلى حدوث مواجهات بين المواطنين وأجهزة الأمن جعلت الرئيس عبدربه منصور هادي يقوم بزيارتها للوقوف أمام مطالب المحافظة التي يسعى أبناؤها إلى تحقيقها في ظل ما يشعرون به من حالة التهميش والحرمان والظلم، التي يرون أنها ليست وليدة الساعة ولكنها تمتد لاحتقانات متراكمة منذ أكثر من 80 عاماً، وهي مرتبطة في نفوس السكان بما يعتبرونه مظالم متلاحقة نالتهم، ومنها ما يتصل بحقوقهم في المواطنة المتساوية، وعدالة التنمية، وحق المشاركة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وإعطائهم حق الأولوية في الحصول على الوظائف في محافظتهم أسوة بغيرهم في بقية المحافظات. المظالم التي تعرض لها أبناء تهامة، وما يعانونه من تعسّف واضطهاد ونهب لأراضيهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم في المواطنة الآمنة والمتساوية، وفي العيش الكريم -لا يمكن لأحد إنكارها- ومع ذلك ظل أبناء محافظة الحديدة أولئك الذين ينطبق عليهم قول الرسول الأعظم والنبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليه: (ألين قلوباً وأرق أفئدة) -عندما جاءه وفد الأشاعرة من تهامة- لقد تحملوا المتاعب بصبرهم وجلدهم ومن منطلق طاعة الدولة، مما جعل البعض يتمادى في استضعافهم والتعالي عليهم، وممارسة كل أنواع الظلم ضدهم على مرأى ومسمع من الدولة وأجهزتها المختصة؛ حتى فاض الكيل لدى أبناء تهامة، خاصة أن أسلوب التعامل معهم تجاوز كل حد من القبول، وقد بُحّت أصواتهم وهم يرفعون استغاثاتهم ونداءاتهم للدولة لإنقاذهم من ويل ما يواجهونه من مظالم وصلت حد الاستهانة بدمائهم وأرواحهم التي استرخصها البعض من ذوي النفوذ والقوة والتسلّط. وفي اعتقادي أن كل مطالب أبناء تهامة عادلة ومعقولة، ومن حقهم على الدولة أن تستمع إليهم، وتسعى إلى رفع الظلم عنهم وإيجاد الحلول المناسبة والعادلة للقضايا والمشكلات القائمة في تهامة قبل أن تتفاقم وتصبح أكثر تعقيداً، فالحديدة محافظة مهمة اقتصادياً وسياسياً؛ ففيها كتلة سكانية تزيد عن ثلاثة ملايين مواطن، وتمتد على شاطئ مفتوح في البحر الأحمر، إذا اضطربت الأوضاع فيها فإنها لن تؤثر على اليمن واقتصاده وأمنه فحسب، بل وعلى أمن جيرانه، حيث يتأثر الجوار الجغرافي ببعضه وفي أكثر من صعيد، وحيث يمكن للمهربين والمتربصين أن يجدوا منها منفذاً لتوسيع عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، خاصة إذا تم الاستمرار في حالة التهميش والإهمال التي تتعمق بداخل أبناء تهامة وتتصاعد في موجات غضب تكبر مثل كرة الثلج، فهم يعتقدون أن محافظتهم مظلومة ومحرومة وأصبحت نهباً للطامعين من شيوخ القبائل والمتنفذين والخارجين عن القانون الذين يأتون إلى تهامة لنهب الأراضي وإثارة القلاقل والمشكلات للسكان المعروفين بطابعهم السلمي والمدني المتسامح، بينما الدولة مازالت تتجاهل مطالبهم ويغيب عنها إدراك حقيقه ما يجري اليوم في الحديدة في إطار التغييرات التي شهدها اليمن عموماً، بعد أن زالت المخاوف من النفوس واتسعت مساحات النقد والتعبير عن الرأي للمطالبة بالحقوق والحريات، وعزز تلك المشاعر المنافذ الواسعة التي اتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر والشبكة العنكبوتية عموماً. من المهم في هذه الظروف الهامة والحرجة أن يجد أبناء محافظة الحديدة آذاناً صاغية لهم لإنصافهم وتحقيق العدالة لهم والاهتمام بمشاريع التنمية التي يحتاجونها، وإيجاد فرص عمل للشباب العاطل، لأن أبناء الحديدة يعتقدون أن محافظتهم تستهدفها حملة إهمال وتشويه متعمدة من قبل قوى حزبية استطاعت فرض بعض عناصرها المتشددة في مواقع هامة مرتبطة بحياة وقضايا الناس، وتحاول استغلال موجة الاحتجاجات لصالح أجندتها الحزبية، وتحمّل النظام السابق مسئولية تغذية الاحتجاجات لتبرير فشل أداء الأجهزة الحكومية المختلفة، التي جعلت من النظام السابق شماعة تعلّق عليها كل أخطائها وإخفاقاتها، وأكثر ما يزعج أبناء الحديدة تصنيف حراكهم بما ليس فيه، تارةً بأنه مناطقي أو جهوي، وتارة بأنه مسلح، وهو ما يكذبونه ويستهجنونه؛ فهم يرفضون كل أشكال العصبيات والعنف، وهو ما يفرض على الجميع أن يدركوا بأن زيادة الإهمال لأبناء تهامة وتعميق الشعور بالظلم في نفوسهم سيدفع بهم إلى مزيد من الغضب والاحتقان الذي بدوره سيهيئ المناخات أمام كل المتربصين لشيطنة حراكهم وتحويل مساره السلمي، والدفع بشبابهم الغاضب للارتماء في أحضان القوى المتطرفة سواء من عناصر تنظيم القاعدة أو الحوثيين أو بعض القوى الإقليمية الطامعة كإيران التي ستهرع -كعادتها- إلى استغلال الأوضاع والتقاط هؤلاء الغاضبين من الشباب ومدهم بالمال والسلاح لتحقيق أجندتها الخاصة في اليمن والمنطقة عموماً -كما حدث في الحراك الجنوبي- وعندها سيكون ثمن المعالجات فادحاً والنتائج كارثية على اليمن وجيرانه.. فمن يفهم ويبادر؟! رابط المقال على الفيس بوك