تكرّ ست ثقافة الحاصل من خلال ثقافة المهيمن بالعرف المتراكم بين الناس في بعض سماته, لكن دونما تأمل وتحليل لدلالات ولفظ بعض ظواهرها كثقافة ودراسة مستوى رقي خطابها ولغتها من عدمه, وذلك عبر تقييمه بالأسئلة والمقاربة والشك, وهناك مثلاً مفهوم فسيولوجي عضوي يتمثل في إشارة اليمني غالباً إلى ( أنفه) كتعبير عن الجمال للمرأة مثلاً أو جودة منتج بعينه, وكتعبير عن أن هناك شيئاً ما من الأمور أو التصرفات ممتاز ولا يبزه شيء. وتعني الإشارة بالسبابة إلى الأنف (حاسة الشم) في التعبير الشعبي لكثير من الناس وبخاصة في مناطق ومحافظات الشمال عند قولهم «من هانا »بالإشارة إلى أنفه أن ما في أحسن من كذا ,أو “ما فيش أحسن منه » بالتعبير النمطي الذي تكرس بالعادة. الطبيعي أن لا يبقى الفعل الثقافي النمطي والمكرس بفعل مصالح وتحالفات يخدم فكرة مقيدة أو نفوذ أشخاص وجهويات وأصوليات بعينها في مختلف الاتجاهات, لأن هناك مفاصل وفصائل ومنظومات تعطل ولا تزال لها أدوات في الواقع اليمني وتمارس التمييز والإقصاء وانتقائية المعايير بشكل عنصري داخل الوظيفة العامة, بقدر ما يحضر الإقصاء في نهج بعض القوى لكل من يختلف معها لمجرد الرأي ووجهة النظر أو حتى الاختلاف معها إذ بمجرد الاختلاف أو التميز في القدرات تأخذ بعض طرق التفكير العصبوية في مصادرة حقوقه في العمل والإشارة إلى “الأنف” ثقافة عندنا كيمنيين, وتعبير جاهز لا جهد فيه للتفكير ومنطق التأمل من أجل إعطاء التعبير حقه المناسب لوصف راق لشيء ما, وسواء كان ذلك عبر لغة الإشارة أو بتعبير مكتوب أو قول ملفوظ بحركة الشفاه. وتبقى الإشارة إلى الأنف لدى كثير منا تعبيراً يفتقر إلى بديهة التفكير قبل الكلام, وغالباً ما يأتي كتعبير دون المستوى لقصد ما نريد, بتعبير أدق, وفي حين يكون القصد منه غالباً إيصال معنى عن جودة ما أو امتياز بعينه. التعبير بالإشارة إلى موضع “الأنف” قد يراه البعض لا يشير سوى إلى موضع “غير مستحب »بالنظر إلى مكان وظيفته فسيولوجية تفرز مادة مخاطية مثلاً ,رغم كونها وظيفة طبيعية لعملية تنفس وجود الإنسان, آخر ينظر إلى طبيعة الأنف كحاسة للمشموم وتمييز الروائح والاحتراز أو الابتهاج تجاهها نتيجة ما يقرره الإحساس بالتجربة, وكمصدر رئيس لتنفس الهواء أيضاً, فالهدف فحص مستوى ما نكتب أو نقول أو نشير إليه بدلالته ومعناه. وبعيداً عن اعتقاد الإشارة التي قد تحقر أو تنتقص بثقافتها من الآخرين ,هناك ثقافة بقيت لها دلالتها في اعتقاد البعض للإحالة إلى الأنف كرمز الشموخ, وهذا ليس صحيحاً لأن الشموخ يكمن في مدى توافر المساواة للجميع بشروط تمثل الهوية الوطنية الجامعة والإنسانية التي تحترم التعايش. أشير هنا إلى أن “الأنف” لدى فئة أو جماعات بعينها في الثقافة اعتبرت كدلالة على وهم نقاء دون الغير, كأن يبقى العرف في الثقافة مجنداً لدى جهويات تعتمد لا تزال التعبئة الخاطئة بمعطى نظريات ما قبيلة وشعبوية تحرض ضد فكرة الدولة, وذلك عبر خطاب الاعتقاد في النظرية أو التشدد الذي يحركه “الشيخ” غالباً أو المرشد وفق عُرف القبيلة وقبيلة العرف أو الجماعة أو الطائفة, وذلك للإبقاءعلى حالة القطيعة بقصد سيطرة ثقافة على ثقافة أخرى تحوز قيماً متقدمة وحضرية, ما يشي خطابها بأسباب رقيها ومدنيتها مثلاً, وبالإحالة إلى رمزية الأنف, “شم الأنوف” كنص ثابت أو مركزي في الشائع- فقد أخذ مدلوله ينسحب في الثقافة إلى تكريس جماعة سياسية – مع استمرار استبعاد المجتمع لعقود, ليتم الاستئثار على امتياز موارد وحقوق أو سلطة ما لأناس دون غيرهم من الطيف الجمعي, كما تم تغليب الجزء على الكل. وحتى لا تبقى تتمركز بعض المفاهيم الجاهزة لتبدو كشخصية ثقافية لقوى بعينها بدأت اليوم تشعر بتراخي نفوذها الذي تكرس في الحكم بآلية تحالفات نهب ثروات الشعب ومحاولة جعل الأخير تابعاً وتلك جريمة أيضاً, ما جعل ويجعل الناس اليوم يقفون عند نقد وقراءة نمط المعايير في التعيينات ويخضعونها لتقييمهم الوطني, ولتحريرها من الفاسدين و عقدة الواحد الذي يحكم بقوة الاستحواذ والتصلب تجاه استحقاقات تمليها إرادة الشعب, الحاجة اليوم إلى مزيد من اليقظة والاستشعار, وسلوك خيارات وطنية وتوافقات للتحول بفكرة الدولة المدنية والاستجابة بشكل إيجابي متعايش لإحداث توازنات في التشريعات بأسس تقيد ضامينها المدنية الفاعلة في الدستور الجديد ووفق مبدأ المواطنة, وتحقيق بنية الاستقرار المستدام للشعب, وليس بالرضا دائماً بأرباع وأنصاف الحلول, هذا إذا أردنا أن يتحقق السلم والعدل السياسي والاجتماعي أيضاً أعلى النموذج. وحتى لا تبقى ثقافتنا مرتهنة - لمجرد الثبات في منطقة التعبير بالإشارة إلى الأنف مثلاً مصحوباً بدراجة “من هاناهه” وبصورة قد تقصد المعنى الجيد أو السيئ معاً, وإن بعفوية من أراد إيصال القصد, فيما تبقى الحاجة إلى تعزيز حضور جماعات ضغط شعبي بثقافة تدعم مطالبها وحقوقها المشروعة كما بتأثيرات تُشرَّع حلولاً ناجعة لا مشاكل مستعصية, من هنا الحاجة إلى خطوات يلمسها المواطن على صعيد الحوار الوطني إلى الأفضل, وكي لا تظل حقوق الأفراد مرتهنة لمصالح نفوذ الفرد المهيمن باستبداد الجماعة, أو بإطار العرف بدلاً عن سيادة القانون, كما بقي نفوذ المستبدين في صورة الازدواج والاندماج ببؤر ومصالح تسلطية منذ عقود لكن دون مساءلتها بالرؤى والأسئلة وتأثير الطالب السلمية التي تمثل مشروعية المجتمع ككل. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك