ليس صغيراً بما يمكن أن يخفيه عنا طالما وأنه يسير على أثنين ويكبر أمام أعيننا يوماً بعد يومٍ، وليس كبيراً بما يكفي لنتركه وحيداً طالما وأنه قد ادرك الكثير من معاني الحياة وفهم الكثير من مفرداتها، ليس طرياً ولا صلباً، ليس مريضاً ولكنه أيضاً لا يتمتع بالحصانة ضد كل الأمراض، إنه ذلك الطفل الذي نتركه ليفهم الحياة بمفرده ويستوعب الواقع عبر قناعته بالموجود دون أن نمنح أنفسنا فرصة قراءة النوايا من حوله في أبسط صورة وأسهل لغة. الطفل الذي نلقي به في أحضان المجتمع مبكراً، ونحن نعي خطورة البقاء فيه دون دليل ثم نكثر اللوم ونتفنن في التأنيب بعد أن تقع الفأس على الرأس ويصبح وقف النزف أمراً في غاية الصعوبة. أطفالنا طيور الكنار المترفة بالبراءة والمغردة على أغصان قلوبنا بأعذب الحان الدلال، هؤلاء هم زينة الحياة وديدنها، لذا ترعاهم أهداب أعيننا وتحرسهم أفواج مشاعرنا وتغذيهم بالحب بنان أحاسيسنا، وحتى لا يكونوا لقمة سائغة للجياع من الغاوين والغارقين في مستنقع الخطيئة وسوء الخلق لا يجب أن نقذفهم على الأرصفة ونسكنهم الأزقة ونغيب عن واقعهم ساعاتٍ وساعات، إن ما وصلت إليه جرائم الطفولة اليوم لم تأت من فراغ بل جاءت كاستجابة سلبية ومشروطة لأفعال أبوية غاية في اللامبالاة حتى تصل الإحصائيات الناتجة عن أبحاث ميدانية في مجتمعنا إلى أن 75 % من جرائم الطفولة تعود اسبابها الى عادات أو سلوكيات تربوية وأسرية خاطئة مقترنة بغفلة أبوية كبيرة جداً، ويزيد من تفاقمها يوماً بعد يوم انفتاح إعلامي وإلكتروني على ثقافات متعددة ومغايرة لثقافتنا الإسلامية. حال الطفولة اليوم لم يعد هو بالأمس بعد أن أصبح الأطفال أداةً للجريمة ومسرحاً لها في نفس الوقت، لهذا نقول بضرورة الاقتراب من عالمهم والخوض في اهتماماتهم والوصول إلى نقاط ضعفهم وقوتهم والسيطرة على مكامن الخوف والارتياب لديهم، وهنا أشدد أن مرحلة الطفولة التي أعنيها تبدأ منذ يوم الميلاد وحتى التاسعة عشرة من العمر وهذا هو سن الطفولة الذي حددته المواثيق الدولية على أعلى تقدير لها فيما يتعلق بالسن والتغيرات التي تطرأ عليه وما يميز هذه المرحلة من عمليات بناء جسدي ونفسي وصولاً إلى اكتمال بناء الشخصية التي تعطي هذا الطفل أو ذاك هويته السلوكية واتجاهه الأخلاقي والانفعالي. وكرسالة يحملها قلبي كأم قبل قلمي ككاتبة ومن خلال عملي في مجال الطفولة وزياراتي المتواصلة لمراكز الأحداث والأيتام والكفالة الاجتماعية وسواها من الدور ذات الرعاية التكاملية للطفولة. أنصح الآباء والأمهات وبكل ما أوتوا من قوة أن يحافظوا على أمانة الرعية التي بين أيديهم وأن لا يستهينوا بالدور الذي تلعبه غفلتهم عن أداء واجبهم نحو هؤلاء الصغار فخلف أسوار المحاكم وأقسام الشرطة والنيابة قضايا ضحاياها ومرتكبوها من الأطفال ولا يمكن أن تتخيلوا قدر بشاعتها مهما كان وصفي دقيقاً لأحداثها فاتقوا الله فيهم ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فالوطن اليوم بحاجة إلى من يرفع الراية لا إلى من ينكسها وينام تحت ظلها المفقود، هذا الجيل يخرج إلى واقع مسكون بالأخطار ومشحون بالغواية، فإذا لم يكن لديه السلاح الأخلاقي الذي يحميه من الوقوع في هذه أو تلك ما عساه يكون حاله وهو فرد في مجتمع يأكل الأمية ويحتسى ماءها؟! إنهم الثمار التي تتدلى عن أشجارنا كل يوم في أبهى لون وألذ مذاق، فهل نتركها حتى تسقط؟! هل نجعلها عرضة لمخالب الكبار الذين يبيعون ما لا يباع ويشترون ما لا يمكن أن يشترى؟! رابط المقال على الفيس بوك