تواجه جماعة الإخوان المصرية مآزق المواجهة بين شعاراتها السياسية ومشكلات الواقع المفتوح لحركتها المسئولة عن ترجمة الشعار عملياً ، أو تطبيقه على المشكلات القائمة،وفي هذا السياق يكون أكبر مآزق الجماعة وأخطرها تلك المتصلة بشعارها الشهير: “الإسلام هو الحل” لأنهم في الواقع ، ضاعفوا من تعقيدات المشكلات القائمة وأضافوا إليها مشكلات جديدة ، ولم يقدموا أية حلول محمولة على الشعار ، والمسألة هنا لا علاقة لها بحكم الجماعة وزمنها القصير جداً في السلطة والحكم. كل جماعة سياسية ملتزمة بمرجعية عقائدية ، تقدّم للمجتمع الذي تنشط فيه تفسيرها لمشكلاته وتصوراتها للحلول،من موقفها خارج السلطة ودورها في معارضتها.فإذا وصلت إلى السلطة،وضعت تلك التصورات موضع التطبيق والتنفيذ،فمثلاً،ترجمت التنظيمات اليسارية شعارات الحل الاشتراكي في حزمة إجراءات معروفة عن التأميم وملكية الدولة لوسائل الإنتاج ، وتقديم الخدمات،وعلى شاكلة اليسار ترجم الاتجاه الرأسمالي شعاراته في الخصخصة ورفع الدعم وتعويم العملة وغير ذلك مما هو معروف عن ترجمته شعار ومفهوم اقتصاد السوق. وحدها جماعة الإخوان لم تقدم خلال 85 عاماً تقريباً أي تصور نظري لشعاراتها السياسية ، وأهمها شعار الحل الإسلامي لمشكلات السياسة والاقتصاد والاجتماع، فلاهي اجتهدت بحكم مسئولياتها عن ترجمة الشعار إلى تقديم تصورات نظرية للحلول التي يعد بها الإخوان المجتمع المصري إذا هو فوضهم لولاية سلطة الحكم وإدارتها بمرجعية الإسلام , لأن الجماعة استندت إلى إيمان الناس بما يحمل الإسلام من قيم الحق والعدل والخير والإحسان ، وقعدت عن تفقه هذا الدين فلم تفقه منه شيئاً يمكنها من تبصير الناس بالمشكلات والحلول،بل ربما أدرك كبارقادة الجماعة،إن الإسلام يحمّل الناس المسئولية عن حياتهم وشئون معاشها وأمورصلاحها وفسادها.ولذلك فالمشكلات منهم والحل فيهم وبهم سواءً كانوا مسلمين أم غير مسلمين. في مجمل خطاب الإخوان عن الحل الإسلامي، يبرز المجتمع،جماعات وأفراداً، في موقع المسئولية عن أزماته المتفاقمة، من خلال تفسيرسطحي للأزمات يردها إلى ترك الناس للدين وانصرافهم عنه ، وتبسيط مخل للحلول مشروط بعودتهم إلى الدين، ولوفهم الإخوان معاني تفسيرهم للمشكلات وتصورهم للحلول ، لأدركوا أنه لا حاجة لهم في الواقع ولا مصلحة منهم في تغييره، فالأمر كله للناس وقرار عودتهم إلى تعاليم الدين وأحكامه، ولكنها أهواء السياسة التي ترهن الحل الإسلامي لسلطة الإخوان. قدّم الإخوان دستور مصر وأصرّوا على وضعه للاستفتاء رافضين شرط التوافق الوطني والسياسي حوله بحجة أنه المدخل الوحيد إلى الاستقرار والخروج من فوضى المرحلة الانتقالية، لكن العملية جاءت بغيرما أرادوا وقادت إلى غير مازعموا فلم يراجعوا حساباتهم أو يتجهوا لتصحيح أخطائهم على الأقل ،استعادة التوافق الذي دمّره استفرادهم بالهيئة التأسيسية ودستورمصر،أو إعادة التقدير للقضاء المصري والاعتذارله من الانتهاكات الإخوانية المتكررة لسلطته واستقلاله وعدالته، بدءاً بمهزلة عزل وتعيين النائب العام، مروراً بالحصارات المتكررة للسلطة القضائية ، وانتهاءً بالمساعي الحثيثة للجماعة لتخفيض سن التقاعد من 70 إلى 60 للتخلص من أكثر من 3000 قاضٍٍ بالضربة القاضية. في الجانب السياسي، قدّم إخوان مصرحلاً غريباً محمولاً على المنظومة الديمقراطية بغير تأهيل أو تعديل إلا في مجموعة شروط دستورية قيدت الممارسة وفقاً لمذاهب أهل السنة والجماعة في فقه الأحكام، وهي شروط تضع الحل الديمقراطي تحت تسلط الإخوان باسم الإسلام ، وتنتقص بالدين من قيم المواطنة والمساواة بصورة تهدّد الوحدة الوطنية والسلم المجتمعي بويلات ومصائب الفتنة الطائفية. أما في الاقتصاد فالحل الذي قدّمه إخوان مصر هو الاستمرار في بيع مصر لأموال الخارج ومساعدات واشنطن وقروض صندوق النقد الدولي ، بل وصلت مصر في مزادات الإخوان إلى بيع من لجأ إليها من ليبيا مقابل وديعة ليبية بملياري دولار ، والأكثر من هذا أن الإخوان ، خلقوا أوضاعاً من الانفلات الأمني وغياب الاستقرار أضرّت بالاقتصاد وفاقمت من أزماته ،ولم يبادروا إلى تدارك التداعيات الخطرة المترتبة على انهيار الاقتصاد. وأمام هذه اللمحة الموجزة عن عجز إخوان مصر عن تقديم الحلول للمشكلات القائمة في الدولة والمجتمع، يبقى الشعار الذي رفعوه لعقود خلت صادق المبنى والمعنى ، ف “الإسلام هو الحل” لكن الجماعة لا تملك هذا الحل، وتعجز عن استنباطه من مصادر الإسلام وتقديمه للشعب من موقعهم في سلطة الحكم ، وإذا ما استمر تخبط الجماعة، في عجزها السياسي وفشلها الإداري ، فإن الشعب المصري، سيهتف ثانية بذات الشعار( الإسلام هو الحل)، وعندها ستكون الجماعة بالقول والفعل هي المشكلة. وإجمالاً ،فإن التناقض بين شعار الإخوان وتطبيقاته حتم مقضي بالتناقض بين صدق الإيمان وأهواء السياسة ،لذلك يكسب الشعار بزخرف القول، لكنه يخسر بفشل الفعل ، ولهذا كان العمل ميزان الحق في المسئولية والجزاء ،وهذا جوهر الحل في الإسلام لقومٍ يعلمون ويعقلون ثم بعد ذلك لا يُتاجرون بالدين. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك