في الوقت الذي يبحث فيه فريق استقلالية الهيئات في مؤتمر الحوار الوطني الشامل عن كيفية تحويل مهام وزارة حقوق الإنسان إلى مجلس أو هيئة وطنية مستقلة عن السلطة التنفيذية نجد فيه وزيرة هذه الوزارة تجوب اليمن عرضاً وطولاً ومعها فريق من الخبراء الدوليين لتبحث نفس المهمة التي يقوم بها الفريق المختص في مؤتمر الحوار الوطني، بل أنها قد سبقته بعقد ورش عمل لدعم ومناصرة مشروعها، في كل من الحديدة وتعز وعدن وحضرموت ثم في قاعة فريق الهيئات ذات الاستقلالية بمؤتمر الحوار الوطني، وأخيراً مع أعضاء مجلس النواب، إنها بهذا تبحث عن مناصرين لمشروعها الذي استطاعت قبل أقل من سنتين أن تجبر الحكومة على أن تشكل له لجنة وزارية، ثم لجنة فنية لصياغة القانون، كما استطاعت أن تجد لمشروعها المتنقل دعماً دولياً من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بحكم أنه ينطلق من مبادئ باريس المعنية بحقوق الإنسان التي أقرتها الأممالمتحدة، وفي كل ورشة تروج لنص القانون المقترح وتطلب المزيد من المقترحات لتعديله أو القبول به. ورش العمل التي تتزامن مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني تبحث في محاور مشروع القانون الخمسة، المحور الأول المحدود في الاختصاص بالتحقيق في شكوى صاحب الحق، والمحور الثاني في المقترحات المتعلقة بتشكيل الهيئة الوطنية، والمحور الثالث يبحث عن العدد الأنسب لرئاسة الهيئة، فيما يبحث المحور الرابع الاستحقاق الذي يمنح لعضو الهيئة، أما المحور الأخير وهو الخامس فيبحث في الفترة الزمنية لعضوية رئاسة الهيئة. وتصل بنا هذه المحاور إلى النص المطلوب تضمينه في الدستور الجديد. كل هذه المحاور تطرقت إليها ورقة الدكتور عباس محمد زيد التي قدمها لمؤتمر الحوار الوطني يوم الأربعاء 29 /5/ 2013 بحضور السيدة وزيرة حقوق الإنسان والسيدة دينا المأمون مديرة مشروع دعم حقوق الإنسان، بالأممالمتحدة، والخبير الدولي الدكتور نضال جردي، رغم أن الوقت المتأخر لم يسمح بأي تعليق من قبل فريق الحوار، أي أن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني لم يدلوا برأيهم على موضوع الورشة. لكن أليس في تبني الوزارة لهذا المشروع ما يلفت الانتباه؟ فإذا كانت الوزيرة قد سبقت مؤتمر الحوار الوطني في تبني استقلالية الجهة المعنية بحقوق الإنسان التي تديرها من طرف الحكومة، فما ذا تبقى لمؤتمر الحوار الوطني في هذا الجانب؟ الحقيقة إن المشروع الجوال الذي تبنته وزارة حقوق الإنسان أكثر من ناجح بل ويصلح أن يكون أساساً لكل مشاريع الدستور والقوانين المتعلقة بكل الهيئات المقترح استقلالها، فقد بذلت فيه الوزيرة مع طاقم عملها جهداً كبيراً حتى أصبح لديها ما تروج له وهي رافعة رأسها. المشكلة أن الوزيرة مشهور على ما يبدو لنا تعمل على أن تنشأ الهيئة الوطنية المستقلة المعنية بحقوق الإنسان في ظل استمرار وجود وزارة لهذه الحقوق، فما ذا بقي للوزارة من مهام في وجود الهيئة المستقلة؟ خاصة إذا علمنا أن هذه الوزارة مستحدثة في قوام الحكومة منذ سنين معدودة، ولم يكن لغيابها أي أثر مباشر في الحقوق والحريات، فحقوق الإنسان كانت تتحقق أو لا تتحقق بدون وزارة أو هيئة، بنفس المستوى الذي تتحقق فيه اليوم، بالتأكيد أن الوزيرة مشهور إن أرادت ستجد لوزارتها مهاماً كثيرة لا تتعارض مع وجود الهيئة المستقلة، ولهذا فإنها تبحث بنفسها عن الهيئة المستقلة التي ستضمن ديمومة الوزارة، أما نحن فلا نرى لبقاء وزارة حقوق الإنسان ضرورة في وجود الهيئة المستقلة إلا من باب خلق عبئ جديد على كاهل الدولة المثقل بالكثير من الهياكل التي لا لزوم لوجودها. وهذا ما نطلب من الوزيرة أن تتفهمه بعد الجهد الكبير الذي قد بذلته، فمجهودها فعلاً يستحق الإشادة به، ولكنه سيكون محل تقدير أكبر وذو مصداقية أقوى عندما تعلن أن لا ضرورة لبقاء وزارة حقوق الإنسان بعد تشكيل الهيئة الوطنية المستقلة. فما عليها إلا أن تستبق الزمن قليلاً إلى الوقت الذي ستجد على رأس وزارة حقوق الإنسان وزيرة أو وزير غيرها، وتتساءل هل سيظل موقفها من ضرورة بقاء الوزارة إلى جانب الهيئة كما هو في مشروعها؟ الخلاصة أن فريق العمل المختص قبل حضور الوزيرة بدقائق كان قد تبنى في تقريره الأولي الذي سيقدم إلى الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني نصاً دستورياً بإنشاء هيئة وطنية عليا لحقوق الإنسان مستقلة ماليا وإداريا، تعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان. على أساس أن تكون هذه الهيئة بديلة للوزارة فيما الوزيرة مشهور تؤيد وتعمل وتسعى في سبيل إنشاء هذه الهيئة لكن بما لا يؤثر ذلك على وجود الوزارة، هكذا فهمنا من تقديمها لورشة العمل، وهذا الوضع المزدوج على حسب فهمنا غير منطقي ولا نتوقع أن يقبل به أي عضو في مؤتمر الحوار الوطني، ولا أي مواطن يمني يتابع مجريات الحوار. رابط المقال على الفيس بوك