بالأمس تحدّثنا عن الهيئة بوصفها قرينة الصورة المرئية وكونها تمثّل الحلقة المركزية في معادلة الوجود الظاهر، ذلك أن كل شيء يتجسّد بوصفه هيئة أو صورة، وهذه الصور قد تتسم بالتجسيم المعروف، وقد تكون غائمة تجريدية، لكنها في كل الأحوال تبقى رهن المشاهدة النابعة من الرائي البصير، وعندما أقرن الصورة المرئية بالوجود الظاهر فأنا أقصد أن هنالك وجوداً ليس ظاهراً لنا، وهو الوجود الغائب في الغيب، لكن هذا الوجود غير الظاهر أو الغائب يمثّل المعادل الجوهري لما هو مرئي، والشاهد أن صورنا قد تظهر أمام المرآة حالما نضع المرآة أمامنا، لكنها ستغيب بغياب المرأة. قال الشاعر: رق الشراب وراقت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر وكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر المقصود هنا ليس الخمرة المحرّمة، بل غياب الصورة في المرآة، فالماء والزجاج يتشابهان إلى حد التماهي التام، وهذا التماهي يؤذن بغيابهما معاً، لكونهما في ذروة الشفافية البصرية. كان مولانا جلال الدين الرومي خير من عبّر عن الحضور في الغياب، فابتكر رقصته المولوية التي تحيله إلى سديم حالما يدور حول نفسه، وفي تلك اللحظة تتحقّق التبادلية الشفافة بين الرائي والمرئي، فإذا كان الراقص يستحيل سديماً أمام رائيه، فإنه بدوره لا يرى ما يحيط به في لحظة تواجده المنخطف بسرعة الدوران، وهكذا يتحقّق الغياب المتبادل للهيئة أو الصورة بين طرفي الفعل (الرائي والمرئي) وبهذا يتحقّق الحضور الكامل من خلال الغياب الكامل.. فتأمل معي عزيزي القارئ. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك