قيل قديماً إن الحيرة توازي اليقين، ذلك أن من لا يشطح ويحتار لا يصل إلى تخوم اليقين المعرفي، ومن لطائف الوجود ذلك التناص الشرطي بين الأصوات والألوان والمعاني، حتى إننا نستطيع اعتبار كل لون من الألوان بمثابة تميمة لصوت ومعنى، وإذا أخذنا وعلى سبيل المثال لا الحصر اللون الأزرق سنجد أنه الصفة الغالبة على الكرة الأرضية التي تسمى أيضاً الكوكب الأزرق، وهو في المشهدية البصرية الرائية لكوكبنا الأزرق يتمرأى ضمن تنويع من اخضرار واصفرار وأبيض وسديمي، حتى لتبدو بقية الألوان بمثابة «تكّات» إيقاعية لمركزية الأزرق. لكن اللون نابع من شفرة السديم « الّلا لون » ولهذا جاءت مثابة الموشور الضوئي، ومعنى اختفاء ألوان الطيف في الجسم المتحرك مما يؤكد جوهرية ومركزية العماء، فمن أراد معرفة كُنه الحياة عليه أن يبحث فيما يتجاوزها، ومن أراد معرفة كُنه الألوان عليه أن يرى غيابها، ومن أراد أن يتقدّم على تخوم المعاني الكبرى فأمامه جبل المدى النوراني لميتافيزيقا الكون. الأرض لازمة الحياة وحاضنة الوجود للكائنات التي نعرفها إنساناً وحيواناً ونباتاً وما هو أخفى وأكثر، وعندما تترافق الأرض مع السديم فإننا نقترب من مفهوم « الحياة / الموت .. الظاهر/ المستتر .. المرئي/ اللامرئي» ونعود مجدداً إلى مركزية الخفاء وأخفى، والمستور والأكثر سرائرية، واللامرئي وما يعانق دهر الدهور مُتجاوزاً دهر الحدث، ودهر التحول، ومفهومات الحياة الأرضية، فإذا بالزمكانية مفهوم أرضي يتداعى مع قدراتنا فحسب. هذه الروحية التحولية صفة لازمة للألوان، وفي الأزرق صفة لازمة حميدة، حتى إنه يبدو كالإناء الذي يتشابه ويتناغم ويلتبس بلون محتواه. قال الشاعر: رق الشراب وراقت الخمر فتشابها فتشاكل الأمرُ وكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمرُ المقصود هنا كل شراب يكتسي لون الإناء، فيلتبس بالإناء وكأنه الإناء ذاته، فيما يلتبس الإناء به لأنه يتناغم مع لون ذلك الشراب. بهذا القدر من الافتراض اقرأ ثنائية «دمدم ، وسيدة الصمت المديد»، وأرى بعين اليقين أنهما تخليا قليلاً أو كثيراً عن الأحمال الثقيلة التي تحيط بالغيريين أمثالنا، لأنهما تناغما مع نواميس الحارة «بلاجه» وعبقرية كينونتها المرسلة على صواعق البحر والبر والرمل والماء والطيور والسناجب.