تتجه الأوضاع نحو المزيد من التعقيد في المنطقة العربية والإسلامية، مع تزايد الخلافات العامة وظهور النعرات الطائفية، ومن المؤكد أن الصراعات الطائفية سواء السلمية منها أو المسلحة هي الهدف الذي لا يخدم هذه الطوائف، لكنه يخدم أطرافاً أخرى سوف تجني الثمار بكل سعادة وسرور واستقرار. الدفع بالأوضاع نحو الصراع الطائفي ليس عفوياً ولم يبدأ من هذه السنة أو من التي قبلها ، بل هو خلاصة دراسات وعمل ممنهج رأى أصحابه أن أفضل الخيارات هو أن يتصارع المسلمون فيما بينهم ويقتتلوا لتهيئة الظروف المثالية لإعادة تشكيل المنطقة وفقاً لمقاسات ومواصفات ليست عربية ولا إسلامية. المذهبية الدينية تطفو على نحو غير مسبوق هذه الأيام وثمة أصوات تدّعي حرصاً على هذا المذهب أو ذاك وتدفع بالأمور إلى أتون الصراع، وأصحاب هذه الأصوات لا أظنهم أبرياء فيما يقولونه وفيما يفتون به، لكنهم جزء من اللعبة وقد وعدوا بأن يجنوا ثمار هذه المواقف. وقد قلنا بأن الثمار ستكون من نصيب المستفيد الحقيقي من الصراع والحرب بين المذاهب الإسلامية، وسيعلم كل أطراف هذا الصراع بأنهم وقعوا في خدعة كبرى. من المؤسف حقاً أن نقول: إن عجلة الصراع المذهبي الإسلامي تتدحرج بسرعة ويصعب التحكم بمساراتها وسرعتها، ومع إدراك أكثر الناس لهذه اللعبة وخطورتها، إلا أنهم على الواقع لا يستطيعون فعل شيء يساعد على وقف هذا الأمر والسيطرة عليه قبل فوات الأوان. الذين يذكون نار الفتنة المذهبية سوف يكتشفون إنهم وسط موقد الفتنة، وهؤلاء يعملون نيابة عن العدو الحقيقي من داخل المجتمعات الإسلامية، لكن الغريب إنهم ليسوا بسطاء ليقعوا في هذه الخطيئة، فهم كما يبدو من إتقانهم للدور المنوط بهم، إنهم على درجة عالية من الذكاء والمهارة.. فكيف انطلت عليهم هذه اللعبة؟ لن تقف لعبة الصراع عند الحدود بين الدول العربية والإسلامية المتعارف عليها، بمعنى لن يكون الصراع بين دول، حيث لا توجد دولة عربية إسلامية محسوبة على إنها سنية خالصة أو شيعية خالصة.. ففي كل دولة تتعدد المذاهب وتنقسم المجتمعات إلى سنية وشيعية وهنا يكمن الخطر الحقيقي عندما يشتعل الصراع داخل كل دولة لن تُفلح الإيديولوجيات الطارئة والعارضة في فض الاشتباك ووقف الصراع وسيذهب الجميع بحكم الانتماء التاريخي لهذا المذهب أو ذاك إلى مذاهبهم وهو ما يسمى بالتعصب، وحينها سوف تسقط كل النظريات السياسية التي يتحدث عنها البعض. من المهم أن يفكر زعماء هذه المذاهب وعلماؤهم من الآن بصورة صحيحة وصائبة ويدركوا أن الانزلاق إلى أتون الحرب المذهبية صار قريباً وممكناً، فيما لو استمر هذا الدفع الغبي دون حساب لما بعد ذلك. من المهم أن يستشعر الجميع أن الدخول إلى دوامة هذا الصراع يشكل كارثة حقيقية، وسوف يكون الخروج منها غير سهل وغير قريب من ناحية الزمن.. ولذلك سيكون الثمن باهظاً إلى حد المأساة. أتصور أن زمناً سوف يأتي عما قريب ليكتشف أصحاب هذه المذاهب أن مشايخهم أضلوهم السبيل، وسيُقبل بعضهم على بعض يتلاومون.. وربما يقود هذا اللوم إلى صراع جديد داخل المذهب الواحد لتكتمل فصول المأساة، ويتحقق الفناء العظيم لأمة أبت أن تدرك حقيقة ما يُراد لها، وسارت خلف أصحاب الهوى وعطلت عقولها في لحظة عناد ومكابرة!! رابط المقال على الفيس بوك