«وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين».. صدق الله العظيم. تفسير ظاهر الآية هو الرد على المشركين حين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ ما يقرأه من قرآنٍ هو مجرّد شعر.. فجاء رد الله سبحانه وتعالى بأنّ نبيّه لم يُحسن الشعر وليس من طباعه ولا خلط بين القرآن ككلامٍ إلهيّ وبين الشعر كحديثٍ بشريّ. ولا أجد تفسيراً مقنعاً وتنويرياً أبهى من حديث سيد قطب رحمه الله في كتابه (في ظلال القرآن) حين قال عن هذه الآية: «وهنا ينفي الله سبحانه أنه علم الرسول الشعر. وإذا كان الله لم يعلمه فلن يعلم. فما يعلم أحد شيئاً إلا ما يعلمه الله، ثم ينفي لياقة الشعر بالرسول صلى الله عليه وسلم وما ينبغي له؛ فللشعر منهج غير منهج النبوءة. الشعر انفعال، وتعبير عن هذا الانفعال، والانفعال يتقلب من حال إلى حال. والنبوءة وحي على منهج ثابت، على صراط مستقيم يتبع ناموس الله الثابت الذي يحكم الوجود كله. ولا يتبدل ولا يتقلب مع الأهواء الطارئة تقلب الشعر مع الانفعالات المتجددة التي لا تثبت على حال، والنبوءة اتصال دائم بالله، وتلق دائم عن وحي الله، ومحاولة دائمة لرد الحياة إلى الله. بينما الشعر في أعلى صوره أشواق إنسانية إلى الجمال والكمال مشوبة بقصور الإنسان وتصوراته المحدودة بحدود مداركه واستعداداته. فأما حين يهبط عن صوره العالية فهو انفعالات ونزوات قد تهبط حتى تكون صراخ جسد، وفورة لحم ودم! فطبيعة النبوءة وطبيعة الشعر مختلفتان من الأساس. هذه في أعلى صورها أشواق تصعد من الأرض. وتلك في صميمها هداية تتنزل من السماء». لهذا يجب أن يفطن أولو الشعر لما يحيق بهم من مكر حياةٍ وبلوى تخبّطٍ صنعوه بأنفسهم وبمحض إرادتهم البشرية المتقلّبة حين انخرط أغلبهم في ملذات المدائح الكهنوتية.. والاسترسال في الأوهام وما يتبعها من حصادٍ بشريّ يخضع لدجل الأفهام الناقصة وشعوذة المفردات المتربّصة بحقيقة الشعور والواقع. ومع ذلك تظلّ الموسيقى الإلهية في القرآن الكريم عالماً بديعاً صافياً يشعّ فيضاً وإلهاماً لكلّ من يعشق الاستسقاء من معينه الذي لا ينضب.. وفي ذلك خيرٌ وفير وبقاء أنيق للشعر وجذوته الحقيقية بعيداً عن هرطقات من يقولون ما لا يفعلون. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك