- كنا ثلاثة يمنيين وكانوا ثلاثة صوماليين ،، أخذوا يتطلعون إلينا ونحن ننتصر على الجوع الذي استولى على بطوننا لساعات طويلة ،، شاركونا عناء الجوع إلا أنهم حُرموا لذة الانتصار عليه ،، رأيناهم يرقبوننا مع كل لقمة تملأ أفواهنا ،، فأحسسنا أننا كلما شبعنا زادتهم نظراتهم جوعا. - نظرنا لهم أزكى طعاماً ثم دعوناهم ،، إلا أنهم وقبل أن يصل طعامهم أقبلوا على بقايا ما أكلنا فانهالوا عليه،، تسابق أفواههم أنفاسهم ،، فعز علينا ما ارتضاه الجوع لهم فعجلنا لهم بالطلب. - لم نكد نفارقهم حتى رأينا آخرين ينظرون بما ظفر إخوانهم وحرموا منه ،، فأدركنا أن الطعام الذي حسبناه خيراً لهؤلاء الشباب صار لعنة على رفقائهم ،، فحرصنا أن لا تكون فتنة ويكون الشبع للجميع ،، ثم خرجنا لنرى أمام كل مطعم من يبذلون كرامتهم ويتسولون عطف الناس لأجل لقمة ترحمهم من عذابات الجوع. - ظلت صورة هؤلاء الصوماليين في ذهني طوال النهار حتى حل الليل بسكونه يحمل لنا زخات مطر لطفت الأجواء ،، إلا أني رأيت أحد الصوماليين يتقي (بطرباله) هذه الزخات المنعشة وكأنها زخات من الرصاص تلفح جلده وتدق عظامه ،، فلم يكن يرتدي ثياباً ثقيلة تحمي جسده النحيل من برودة الهواء ،، فأدركت أن القطرات المتساقطة كانت سلماً لنا حرباً عليهم. - عدت إلى غرفتي في الفندق على فراش مريح وغطاء دافئ ،، وما إن وضعت رأسي على الوسادة الناعمة حتى قفز إلى مخيلتي منظر هؤلاء المشردين وهم بالقرب من الفندق يتوسدون أحجاراً قاسية ويضطجعون على كراتين مبللة ويحني أحدهم رأسه على ركبتيه ويغمس يديه بين رجليه عله يجد بعض الدفء في سخونة جسده المبلل . - عدت من ذمار إلى الحالمة تعز وأنا أتسخط من الحافلة المزدحمة بالركاب ،، إلا أن منظر الصوماليين الذين رأيتهم على طول الطريق يسيرون دون مركب من محافظة إلى أخرى كان مروعاً أنساني بؤسي ،، أقدام مشققة وأجساد نحيلة منهكة ووجوه شاحبة مجهدة وعيون ترقب المجهول ،، لقد التصقت جلودهم بعظامهم فحولتهم إلى أشباح مرعبة ،، لا ترحمهم إلا بقدر ما ترهبهم. - ما أشد تعاسة هؤلاء الفارين وكأن لون بشرتهم انتقل إلى حياتهم فلونها بالسواد القاتم ،، لقد فروا من شبح الموت الذي طاردهم في بلادهم ليلقوا في بلادنا شبح الجوع وشبح الضياع وشبح التشرد ،، لقد فروا من موت عاجل إلى موت بطيء ،،. -سافرت بخيالي إلى بلادهم فرأيت أقواماً يقتتلون انتصاراً لشرع الله في زعمهم ،، فتساءلت هل شرع الله لا يتحقق إلا بتشريد خلقه في بقاع الأرض وتعريضهم للهلاك والضياع والامتهان ينتظرون شفقة الناس عليهم أينما حلو ورحلوا ؟؟ ،، ثم نكست رأسي مطرقاً وقد أدركت أن الحماقة والهوى إذا اجتمعا فيمن يرفع راية الدين فلا حق تراه ولا خلقا ترعاه. ولا حول ولا قوة إلا بالله. رابط المقال على الفيس بوك