«1» في شهر يناير الماضي كتبت في صحيفة الشارع عن أبي مطر قائلاً: الشاعر الكبير محمد عبد الباري الفتيح واحد من الأدباء المميزين لقصيدة التمرد في الشعر اليمني المعاصر، حتى تلك النصوص التي كتبها ووجدت طريقها الى اصوات المغنيين ودندنات الملحنين لم تخلُ من تمرد على القوالب الجامدة في النصوص الغنائية. التوقفات والإشارات لن تنتهي أمام عشرات النصوص والومضات الشعرية الجادة والساخرة التي استشرف الفتيح ما سيكون عليه الحال، بحدس الفنان والرائي الملهم. توقف واحد هنا سيتيح لنا الاقتراب من واحدة من إشاراته الملهمة حين تنبأ بثورة الشباب قبل أكثر من عقد من الزمن حين كتب: قال المتيم بأرضه ما يجبر الكسر جابر غير ثورة اليأس في الناس لما تموج في الشوارع غضب وطوفان زوابع باردأ زمن ترفع الراس. الحكيم المتشبث بالأرض المغموس بترابها العنيد ، قادر على استخلاص أن اليأس الذي أعتم دواخلنا وتحول إلى كسر عصي لا يمكن جبره إلا بثورة تتلبس كل الناس وتخرجهم إلى الشوارع مثل الأمواج العاتية المحملة بالطوفان والزوابع القادرة على اقتلاع كل شيء أمامها. الزمن الرديء الذي جعل من التمرد والثورة فعلاً مستحيلاً سيتحول إلى فعل للمفاخرة والكبرياء وبه سنرفع رؤوسنا إلى السماء العالية . أليس هذا ما حدث ؟ إنه ابن عبد الباري الكبير الذي تنكرنا له جميعاً في مرضه ووحدته . الشاعر الذي تعلمنا منه معنى التمرد في الفن ومعنى أن نطرب ونرقص مع أغانيه التي رددها بسطاء الناس في المدن والارياف وها هو يعلمنا مرة أخرى معنى البساطة وهو أب كبير للثورة وربيع الشباب الذين كتب عنهم يوماً فقال: الأمم بالشباب بدءها والمآب وبإصرارهم نتحدى الصعاب والخطر نركبه شرف الانتماء شدهم للحما والتراب للنماء بالعرق والدماء الشباب خصَبه . فات الأوان ولم يُكرَّم الفتيح من قبل القائمين على البلاد التي كدح فيها الفتيح عرقاً وشعراً ودموعاً أكثر منكم. «2» في منتصف ديسمبر من العام 2005 نشرت في صحيفة الثقافية تحت عنوان (يلتقط قصائده من قلب الحياة لتتشقر بها أيام البسطاء)عن راحلنا الكبير جاء في إحدى الفقرات فيها: (أبو مطر ) شاعر أنجبته الطبيعة ،ليس من أجل عبادة أقانيمها، ومخرجات علاقاتها المتباينة ،بل ليلتقط كل مايمكن أن يكون لحظة للفرح أو للسخرية أو للألم ،لأن الكائن الذي دخل إليها من ابسط المهن، وجال في جغرافياتها أو معارفها وخبر ناسها، بمقدوره وبكل بساطة أن يعلمنا كيف نعشق: بحسي كل لحظة أنت وحلمي في المنام ودقات الفؤاد باسمك وفي البال انحفر رسمك كذا فليعشقوا ولاّ على الدنيا السلام. وعلمنا كيف نسخر: سيد الكباش في الأرض وباشة الضأن نم مستريح البال قرير الأعيان واهنأ بتكريم مالقوش إنسان صلت على روحك صرور وغربان. وكيف نقرأ الحياة الكرملين سبعين سنة تمركس وشكّل أحلام الشعوب وهندس واجا الرفيق جوربي يشل ريوس. وكيف نغني لورد خدك واضحى العباهل صلى الندى بمهرجان حافل وابحر بعينيك حادي القوافل ومايزال في بحر ماله ساحل. أيها المشقر بسحابة المحبة سلاماً على روحك الطاهرة. رابط المقال على الفيس بوك