صحيح أن التدخلات الدولية في مختلف القضايا الوطنية لأقطار ما يسمى بالربيع العربي حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها ناهيك عن التدخلات المباشرة وغير المباشرة في الشئون الداخلية والخارجية لجميع الأقطار العربية , لكن مع ذلك لا يوجد لدى قوى الهيمنة الدولية أي مشروع لسايسبيكو جديد في منطقة الشرق الأوسط. فمعطيات الواقع وعوامله الموضوعية والذاتية التي مكنت قوى الهيمنة الدولية من رسم خارطة سياسية لمنطقة الشرق الأوسط عرفت حينها بمعاهدة سايكس بيكو ,لم تعد قائمة حتى تعطي الفرصة لرسم خارطة سايس بيكو جديدة. فعندما وضعت الخارطة السابقة كانت جميع دول العالم أو معظمها محتلة من قبل القوى الاستعمارية الدولية وبالذات الدول الأوروبية الغربية , وكانت جميع الدول العربية أو اغلبها محتلة أيضاً.. وكان القصد من الخارطة السياسية لسايسبيكو عبارة عن معاهدة بين الدول الاستعمارية الأوربية لتقاسم مناطق النفوذ في الوطن العربي . إضافة إلى ذلك كان مشروع قيام دولة إسرائيل بمثابة حجر الزاوية الذي على أساسه رسمت الخارطة السياسية للشرق الأوسط وبما يضمن تناسب المصالح بين الدول الاستعمارية وبما يضمن أيضاً الانتقال السلس من مرحلة الاستعمار القديم أو المباشر إلى مرحلة ما عرف بالاستعمار الجديد أو غير المباشر . أما وقد زالت مرحلة الاستعمار القديم والجديد وآخرها ما عرف بمرحلة الحرب الباردة أي مرحلة نظام القطبين علاوة على أن مشروع دولة إسرائيل قد انجز وبلغ ذروته وانحصرت القضية الصهيونية بما عرف بمشروع السلام الذي اختزل بدوره إلى قضية ما يسمى بأمن إسرائيل , فلا تملك القوى الدولية غير الحفاظ على نفس الخارطة السياسية السابقة مع السماح بفرص تغيير داخل كل قطر على حدة إن توفرت لذلك عوامل موضوعية وذاتية داخلية دون أن يترتب عليها آثار سلبية على عموم خارطة المنطقة أو مصالح القوى الدولية. علماً بأن بعض الدول العربية قد اعترفت بوجود دولة إسرائيل مما يعني ضرورة حرص القوى الدولية على بقاء الخارطة , كما هي حرصاً على دولة إسرائيل وأمنها المنشود صهيونياً. لذلك تكتفي القوى الدولية بفرض الوصاية الأممية و الإقليمية على ملفات قضايا دول الربيع العربي كموجهين وداعمين مع إعطاء الفرصة الكاملة للقوى السياسية الوطنية لحل القضايا والأزمات الوطنية كما هو حاصل في اليمن على أساس المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني الشامل . ولو كان لدى القوى الدولية مشروع خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط متفق بشأنها كما كان بالنسبة لخارطة سايسبيكو لما فشلت التجربة الأمريكية الدولية في العراق ولما تعثر اتفاق القوى الدولية تجاه قضية سورية , ولما حدثت الانتكاسات في تجربة تونس ,ومصر, وليبا وربما في تجربة اليمن أيضاً برغم إجماع القوى الدولية والإقليمية على دعم اليمن لتجاوز أزماته السياسية. ومع ذلك تتوفر عوامل موضوعية وذاتية جديدة سيترتب عليها رسم خارطة جديدة للمنطقة بعيداً عن إرادة وهيمنة القوى الدولية التي ليس من مصلحتها مثل هذه الخارطة حيث يقول سبحانه وتعالى:« نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ». صدق الله العظيم .. سورة الواقعة. والله من وراء القصد. رابط المقال على الفيس بوك