ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوحدة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني
نشر في نشوان نيوز يوم 08 - 02 - 2010

هذه واحدة من الأفكار القومية التي تسيّر الوطن العربي، فالأفكار تسيّر العالم كما يقول المفكّر الفرنسي ريجيس دوبريه. إنّها تبني معادلة واضحة قائمة على الربط بين التخلّف والتجزئة وبين التقدّم والوحدة..

ما هو المشروع الصهيوني؟
يقع الوطن العربي في قلب العالم وعلى طرق المواصلات بين قارات ثلاث، أوروبا وآسيا وأفريقيا، وفيه ممرات دولية بحرية حيوية ويملك ثروات نفطية ومعدنية هائلة تشكّل العصب المغذّي لاقتصاديات العالم ما جعله منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى اليوم المركز الاستراتيجي الأوّل في الصراعات الدولية.
خلفية المشروع وأهدافه، إذن، هي السيطرة الاقتصادية.. وتاليا "انّه مشروع أوروبي استعماري توسّل زراعة الكيان الصهيوني في فلسطين ليشقّ الوطن العربي جغرافيا" إلى شقّين: بلاد النيل وبلاد الشام، وهذا ما تنبّه إلى خطره منذ مطلع القرن الماضي طليعيّو الفكر القومي، أمثال نجيب عازوري ونجيب نصار وخليل السكاكيني وجورج سمنه "في كتابه: الصهيونية ومصير سوريا" والشيخ يوسف الخازن المتعاطف مع فكرة الوحدة السورية والمؤمن بحتميتها "في كتابه: الدولة اليهودية في فلسطين" حيث أجمع هؤلاء على رفض الصهيونية وأكّدوا ارتباطها بالاستعمار وحذّروا من أنّ المشروع الصهيوني ذا الطبيعة الاستعمارية يسعى إلى تفتيت الوطن العربي وسلبه إرادته وتركه مهمّشا على غرار المناطق الأخرى من العالم الثالث.
على أنقاض "وحدة السلطنة العثمانية" تقدّم الاستعمار الأوروبي وجزّأ الوطن العربي على قياس مصالحه وتطلّعاته ما مكّنه من زرع الكيان الصهيوني في فلسطين وأقام منه عن طريق الاستجلاب والإرهاب حاجزا "بشريا" وعسكريا" ما بين بلاد النيل وبلاد الشام.. وبهذا الزرع المصطنع اللاّطبيعي ثبّت واقع التجزئة.
هذا الزرع راح ينمو برعاية أمريكية بعد ما تراجع الاستعمار القديم وتقدّم الاستعمار الجديد مدخلا الوطن العربي في حيّز مصالحه الحيوية ومتّخذا من دولة الكيان قاعدة عسكرية متقدّمة في المواجهة مع الاتحاد السوفياتي.
في العام 1974، وبتجاوز مرحلة الخمسينات والستينات التي عرفت سياسات أمريكية معادية لمشروع الوحدة العربية من مخططات بناء الأحلاف الى دعم بعض الأنظمة العربية المناوئة لهذا المشروع الذي أفصح عن نفسه من خلال الناصرية في مصر والبعث في كلّ من سوريا والعراق ومن خلال أنظمة وحكومات حليفة في الجزائر وليبيا والسودان.
وعلى إثر انتصار تشرين واستخدام سلاح النفط، وبالتزامن مع السعي الى فكّ الارتباط بين الجيشين المصري والسوري من جهة والجيش الصهيوني من جهة أخرى استعدادا لسياسة الخطوة خطوة على درب التسوية التي استقرّت خطوطها في اتفاقية كامب ديفيد، واستشعارا" منه لخطورة انخراط العرب في استراتيجية مواجهة قومية شاملة، وضع كيسنجر، رئيس مجلس الأمن القومي آنذاك، مخططه لتمزيق الوطن العربي واستنزاف قواه الذاتية...
الإدارة الأمريكية منذ كيسنجر حتى اليوم تحسب أنّ الشرق الأوسط يضمّ بلدانا يمكن الاستغناء عنها.. ثمّة دول فائضة فيها.. وحدود دولها غير ثابتة فهي تتحرّك بتحرّك الجماعات العرقية والدينية التي تقوم عليها فرضية الدويلات التي من شأنها تجزئة الدول العربية وتفتيت وحداتها الوطنية. "كيسنجر ذهب من الخارجية والإدارة الأمريكيتين لكن المخطّط بقي وتنفيذه مستمرّ".
هذا ما قاله الرئيس سليمان فرنجية في العام 1990 مشيرا في ذلك الى مخطّط تقسيم لبنان الذي وجد فيه كيسنجر على حدّ قوله "بلدا مثاليا" لتحقيق المؤامرات، ليس ضدّه فقط وانّما ضدّ كلّ العالم العربي أيضا.. ثمّ يضيف: "لقد اكتشفت في تناقضاته عناصر جديدة لنصب فخّ كبيرللعرب جميعا"...
إنّ خطّة تجزئة الوطن العربي قديمة ومتجذّّرة في التفكير الاستراتيجي الاستعماري الصهيوني، فسلطان باشا الأطرش بطل الثورة السورية الكبرى قال: "ثورتنا السورية الكبرى وحّدت الجمهورية السورية بعد أن كان الانتداب الفرنسي مزّقها الى دويلات طائفية وسنثور في وجه المتآمرين على وحدة أيّ قطر عربي وللبنان الموحّد مركز الصدارة في قلوبنا"..
وشهيد الصحافة اللبنانية رياض طه كشف في العام 1973 مخطّطا اسرائيليا لانشاء دولة طائفية تضمّ الجنوب والجولان وقسما من الشوف والبقاع الغربي.
والرئيس الراحل حافظ الأسد طالما قال وردّد: "سنقف في وجه المخطّط الامبريالي الصهيوني الرامي الى تفتيت لبنان والتوسّع الاسرائيلي على حساب شعبنا العربي". هذا المخطّط بانت خيوطه الأولى في رسالة دافيد بن غوريون الى موشي شاريت في 27/ 2/ 1954 ورسالة موشي شاريت الى بن غوريون في 18/ 3/ 1954، وفي رسالة ساسون الى موشي شاريت في 25/ 3/ 1954. هذه الرسائل نشرتها مجلّة "دافار" الاسرائيلية الصادرة في 29/ 11/ 1971 عشيّة الاعداد لاندلاع الحرب في لبنان.
خطّة تفكيك لبنان تقوم كما وردت في رسالة بن غوريون الذي اقترح سنة 1948 تأسيس دولة مسيحية شمال نهر الليطاني، على الأفكار الآتية:
- لبنان هو أضعف حلقة في سلسلة الجامعة العربية
- المسيحيون أغلبية في لبنان التاريخي ولهذه الأغلبية تقاليد وحضارة مميّزة.
- انشاء دولة مسيحية في لبنان هو شيء طبيعي له جذور تاريخية.
تحفّظ موشي شاريت في ردّه على بن غوريون ولكنه حسب أنّ الأمر "قد يتحقّق في اثر سلسلة من الهزات تضرب الشرق الأوسط وتسقط الأنماط السائدة لتخرج منها قوالب جديدة.." "الفوضى الخلاّقة!".
أما آراء ساسون بشأن تفكيك لبنان فتتلخّص في الآتي:
- انّ جميع الموارنة بمن فيهم أهل بكركي لم يسلّموا بالوضع القائم من صميم قلوبهم ولم يتخلّوا عن أحلام اعادة لبنان المسيحي الى سابق عهده... فالأرض تميد تحت أقدام الموارنة، الأمر الذي يجب أن يفتح عيني كلّ ماروني لإحداث الغليان المطلوب.
- انّ تفكيك لبنان من شأنه أن يخلخل كيانات الدول العربية ويحبط خطط وحدتها ويعرضها أمام العالم دولا متنازعة تحاول الواحدة منها ابتلاع جارتها..
وفي العام 1967 عندما خطّطت حكومة الكيان الصهيوني لشنّ عدوانها على مصر وسوريا والأردن كان مبدأ الابقاء على الدروز في الجولان بعض أحلام خطّتها ليبدأ التقسيم بقيام الدولة الدرزية "عن كتاب قصّة الدولتين المارونية والدرزية، محمّد خالد قطمه" وكان آنذاك ايغال آلون وزيرا للشؤون الاجتماعية ومكلّفا من الحركة الصهيونية بالعمل على تنفيذ مشروع الدويلات الطائفية.
جاء في كتاب "قصّة الدولتين المارونية والدرزية" أنّه بعد الحرب واحتلال الجولان خاطب أحد الضباط الاسرائليين الكبار وجهاء الدروز قائلا: "... نريد منكم أن تفهموا أنّ حسن معاملتنا لكم بعد الحرب ليس من أجل مصلحتكم وحدكم، ونريد منكم أن تعرفوا أنّ هدفنا الذي سوف يكون في تحقيقه مصلحة مشتركة لكم ولنا، هو اقامة دولة درزية تكون نواتها الجولان. فاذا كنتم ايجابيين معنا في عملنا هذا فانّ باقي المهمّة يقع علينا؛ أمّا اذا كنتم سلبيين فيجب ألاّ تلوموا اسرائيل. ضعوا في حسابكم أنّه سوف يتمّ ترحيلكم قريبا من هذه القرى".
وفي ثمانينات القرن الماضي وضع أوديد بينون وثيقة بعنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينات"؛ جاء فيها: "إنّ تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات يعدّ بمثابة سابقة للعالم العربي برمّته، بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ الأمور تسير في هذا الاتجاه من قبل.
من جانب آخر فإنّ تفتيت سوريا والعراق لاحقا الى مناطق عرقية أو دينية قائمة بذاتها كما هو الحال في لبنان يعدّ الهدف الرئيس لإسرائيل على الجبهة الشرقية على المدى الطويل. غير أنّ تفتيت القوّة العسكرية لهاتين الدولتين يعدّ الهدف الأساس على المدى القصير..
سوريا سيكون مآلها التمزّق وذلك وفقا لتركيبتها العرقية حيث ستقوم فيها عدّة دويلات، تماما كوضع لبنان الحالي. وعليه فانّ الساحل السوري سيتحوّل إلى دويلة شيعية علوية بينما تنشأ دويلة سنّية في منطقة حلب وتقام دويلة سنّية أخرى في دمشق تكون معادية لجارتها الشمالية.
أمّا بالنسبة إلى الدروز فانّهم سوف يقيمون دولتهم ربّما في جولاننا وبالتأكيد في حوران وشمال الأردن. ولا شكّ انّ هذه الدولة ستكون ضمانة للسلام والأمن في المنطقة على المدى الطويل. وهذا الهدف أصبح في متناول أيدينا الآن.
والعراق الغني بالنفط من ناحية، والممزّق داخلياّ من ناحية أخرى، يعدّ مرشّحا مضمونا للأهداف الاسرائيلية. وعليه فانّ تمزيق العراق يعدّ أكثر أهمّية بالنسبة الينا من سوريا، حيث إنّ العراق أقوى من سوريا. والحالة هذه فانّ قوّة العراق هي التي تشكّل على المدى القصير أكبر تهديد لاسرائيل. فأيّة حرب بين العراق وسوريا أو بين العراق وايران من شأنها أن تؤدّي في نهاية المطاف الى تمزيق العراق والى انهياره داخليا؛ حتى قبل أن يكون بمقدوره تنظيم كفاح على جبهة عريضة ضدّنا.
إنّ أيّة مواجهة داخل الدول العربية من شأنها أن تساعدنا على المدى القصير وتؤدّي الى تقصير الطريق لتحقيق الهدف الأسمى المتمثّل في احتدام الخلافات الطائفية داخل العراق كما هو الحال في كلّ من سوريا ولبنان.
انّ التجزئة الى مناطق عديدة على أسس عرقية دينية، تماما كما كان الحال في سوريا أيام الدولة العثمانية، تعدّ ممكنة في العراق. وعليه فانّه سيترتّب على ذلك قيام ثلاث دويلات أو أكثر حول المدن الرئيسة وهي: البصرة وبغداد والموصل. كما أنّ المناطق الشيعية في الجنوب سوف تنفصل عن الشمال السنّي والكردي؛ ومن الممكن أن تؤدّي المواجهة الايرانية العراقية الحالية الى تعميق هذا الاستقطاب.
من ناحية أخرى فانّ شبه الجزيرة العربية برمّتها تعدّ مرشّحا "طبيعيا" للتمزيق تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية. وهذا الأمر لا مفرّ منه خصوصا في المملكة العربية السعودية، سواء ظلّت قوّتها الاقتصادية سليمة أو أنّها نقصت على المدى الطويل، فالانشقاقات والانحلالات الداخلية تبدو واضحة وطبيعية المسار وذلك في ضوء البنية السياسية الحالية".
أمّا بشان السودان فترى الوثيقة الصهيونية أنّه يتشكّل من أربع مجموعات سكانية بينها حروب ونزاعات دينية وإثنية: مجموعة عربية مسلمة ومجموعة أفريقية ومجموعة وثنية ومجموعة مسيحية. وعليه فإنّ تفتيت السودان سهل التحقيق؛ كذلك مصر يمكن تفتيتها الى أقاليم جغرافية منفصلة، فيكون للأقباط الذين يبلغ عددهم عشرة ملايين نسمة دولة قبطية..
من هنا كان رهان الحكومات الصهيونية على اثارة النزاعات الأهلية في الوطن العربي وفي تقديم الدعم لعدد من الحركات الانفصالية أو الانعزالية ومساعدة ميليشيات القتل الطائفي وتغذية التيارات الأصولية والسلفية المتشدّدة في نظرتها الى الآخر وعدم الاعتراف بوجوده وبحقّه في الاختلاف وفي التمايز فأثبتت بذلك قدرتها على التلاعب بالعصبيات الفئوية وتوظيفها وتعميق التناقضات لدى مكوّنات المجتمع العربي ودفعها الى ما يشبه الحروب الدائمة الطافرة والكامنة، وتاليا للاستسلام أمام ارادتها في السيطرة والتسيّد على شؤون المنطقة كما بدا واضحا في كتاب شيمون بيريز "الشرق الأوسط الجديد" وكما بدا واضحا في اتفاقات السلام الاسرائيلي التي وافق عليها بعض العرب، وكما هو باد اليوم في الخطة الصهيونية بطبعتها الأخيرة:
1- من القضيّة المركزية ومقولة قضية فلسطين قضية قومية إلى مسألة نزاع حدودي إسرائيلي/فلسطيني، من صراع وجود إلى نزاع حدود!
2- من دولة لليهود تحتمل وجود مواطنين عرب من دون حقوق المواطنة الكاملة الى دولة يهودية عنصرية نقيّة وخالية من أيّ وجود "للأغيار" أو "الغوييم" ما يعني ترحيلا جديدا واسقاطا نهائيا لحقّ العودة.
3- من السلام العادل والشامل الى السلام الاسرائيلي الظالم والمنفرد، الأولوية هي "للسلام الاقتصادي" أي لمزيد من السيطرة ونهب الثروة والتطبيع وتقييد قدرات العرب وتوظيفها في خدمة التوسّع الصهيوني، من التوسّع في الأرض عن طريق الترحيل والتدمير والتجريف ومحو الهوية والاستيطان الى التوسّع في الاقتصاد عن طريق التطبيع.
4- من صراع عربي/صهيوني الى صراع عربي/ايراني، أي تغيير وجهة الصراع في المنطقة وخلق محور "الاعتدال العربي" المتحالف مع اسرائيل في مواجهة "ايران الفارسية"، ما يعني تبديلا في المفاهيم على المستوى السياسي والايديولوجي والثقافي.
5- من الوحدات القطرية الى الوحدات المافوق قومية أو الوحدات المادون قطرية وفي الحالين قضاء على هوية العرب القومية امّا تجاوزا الى هويّة شرق/أوسطية مصطنعة "جامعة دول الشرق الأوسط، شرق أوسط جديد، شرق أوسط كبير"؛ وامّا عودا الى هويات متشظّية ومتذرّرة دينية وإثنية.
وهذا ما يدخل في خطة الأهداف القصوى: محو الهوية العربية بتهديم النظام العربي الرسمي وتقويض مؤسساته كافة وتركيب نظام اقليمي بمؤسسات بديلة يكون موقع القيادة فيه للكيان الصهيوني أو بتفتيت الوحدات القطرية وتحويلها الى كيانات هشّة ومستتبعة. هذا وذاك يضمنان أمن الكيان وتفوّقه العسكري الاستراتيجي وهما يشكّلان الأساس الايديولوجي لهذا الكيان.
6- أمن الكيان مرتبط بأمن الولايات المتّحدة الأمريكية وبقدرته على الاحتفاظ بالسلاح النووي وبمنع العرب من الحصول عليه ومن تطوير الأسلحة التقليدية وبالقضاء على سلاح المقاومة في فلسطين وفي لبنان وبفرض الحصار أو العقوبات على سوريا دولة الممانعة وعدم التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية "ضرب المفاعل النووي العراقي، تدمير العراق واحتلاله، ضرب ما ادّعته اسرائيل مفاعل نوويا "سوريا"، الحرب على لبنان 2006، الحرب على غزّة 2008".
هذه العناصر الستّة تشكّل اليوم عصب المشروع الصهيوني منها ما هو قديم متجدّد ومنها ما هو جديد فرضته طبيعة التغيٍّرات الدولية والاقليمية، ولكنّها مجتمعة تأتي لتؤكّد مرّة أخرى أنّ مواجهة هذا المشروع لا تكون الآّ بمشروع النهوض القومي العربي بعناصره الستّة: الوحدة، التحرير، الديموقراطية، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلّة، التجدّد الحضاري. أخذا بالاعتبار عدم جواز الفصل بين عنصر وآخر، أو بينها مجتمعة..
الوحدة العربية.. موجباتها وطبيعتها
جميع العرب، شعبا وأمّة ودولا قطرية، لهم عدو تاريخي واحد هو الكيان الصهيوني وما يحمل اليهم من تحديات وجود وبقاء. وحدة الموقف الايديولوجي والسياسي من هذا الكيان هي فعل تأسيسي لاتجاه الوحدة.. وعليه، فإنّ من موجبات الوحدة لمواجهة المشروع الصهيوني:
1- تأسيس معرفي صحيح بطبيعة الكيان الصهيوني وقوة الدفع الأمريكي العاملة وراءه وتحويل هذه المعرفة الى وعي سياسي قومي وحدوي. "المفكّر الوحدوي ياسين الحافظ يرى أنّ المشروع الوحدوي السياسي يتحوّل من القوّة الى الفعل بقدر نموّ الوعي الوحدوي".
2- فلسطين هي المستقبل العربي ومحوره. تحريرها مسؤولية قومية. الوحدة هي شرط حكمي وملزم للتحرير. احتلال فلسطين هو احتلال للمستقبل العربي. لا مستقبل للعرب بدون فلسطين حرّة. وعلى قاعدة الربط الموضوعي بين الوحدة والتحرير يمكن القول: لا مستقبل للعرب بدون وحدة.
3- المشاريع الأمريكية/الصهيونية المعدّة للوطن العربي وللمنطقة برمّتها، على تعدّد مضامينها وأشكالها ومحرّكاتها وأطرافها، تحمل عنوانا صريحا واحدا هو الأمن والسيطرة والقيادة لاسرائيل، عسكريا واقتصاديا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا. هذا العنوان/ التحدّي لا يواجه الاّ بوحدة عربية من طبيعة خاصة تفرضها طبيعة المواجهة مع تلك المشاريع.
أ- الأمن القومي العربي:
جغرافية الوطن العربي تبلغ 11 مليون كيلومتر مربّع وهي موزّعة في قارّتين آسيا وأفريقيا. قسم من أراضيها محتلّ وقسم مهدّد بالانفصال أو هو قيده، أجواؤها مخترقة بطلعات الطيران الحربي المعادي وبأقمار التجسّس وبالفضائيات العابثة بنظام القيم والخصوصيات، وبحارها مفتوحة أمام الأساطيل والقواعد الأجنبية، ثرواتها الطبيعية منهوبة.
وفضلا عن كلّ هذا فهي تشهد نزاعات حدود بين دولها القطرية التي تحكمها أنظمة لا تستمدّ شرعيتها من ارادة شعوبها بقدر ما تستمدّها من قدرتها على تأمين مصالح حماتها الأجانب..
أيعقل، والمشهد هذا، أن تبنى مجدّدا نظرية في الأمن القومي العربي لتحرير الأقسام المحتلّة من هذه الجغرافيا وحمايتها ودفع الانتهاكات عنها؟ قد يقع خارج المعقول السياسي التفكير ببناء نظرية في الأمن القومي مقتصرة على الجانب العسكري ومعقودة الرهان على معاهدة الدفاع العربي المشترك ما يوجب اعادة النظر في المقاربة التقليدية لمسألة الأمن في ضوء مجموعة أفكار مستلّة من تغليب المعاينة على المذاهنة في التأسيس لأيّ مقاربة مستقبلية:
- الأمن القطري جزء من الأمن القومي: ما من دولة عربية واحدة تمكّنت من توفير أمنها الوطني ازاء الاختراقات والاعتداءات الاسرائيلية والاحتلالات الأجنبية، فضلا عن مشاركة بعض الدول العربية في التواطؤ على دول أخرى وتسهيل احتلالها أو ضرب الحصار عليها. والسؤال المطروح: ما مدى تأثير الاتفاقات المنفردة المعقودة مع اسرائيل وعمليات التطبيع معه على الأمن القومي ان لجهة اضعاف الجبهات العسكرية وان لجهة تمكّنه من استفراد الفلسطينيين والدول "العاصية"؟
- مفهوم الأمن في ذاته بات أكثر شمولا وأشدّ دلالة على ما له علاقة بالاستقرار الوطني أو القومي العام؛ فالمشروع الصهيوني يشكّل خطرا على الأمن الثقافي والأمن الغذائي والأمن البيئي والأمن الاجتماعي والأمن الصحّي عن طريق اختراقه للمجتمع العربي وتدمير بناه ومؤسساته وافراغها من وظائفها في حماية المواطن وتنمية وعيه الجمعي بسلبيات التطبيع مع العدو.
ومن هنا تأتي خطورة عدم التنبّه الى مهاوي الارتماء الأعمى لدى المهرولين في اتجاه التطبيع في فخّ اغراءات المشاريع الانشائية التي أورد معظمها شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" بادّعاء الشراكة ما بين الدول العربية واسرائيل في "الحرب على الصحراء".
- دولة الكيان الصهيوني دولة قومية: لذلك يصحّ أن تدّعي أنّ لها أمنا "قوميا" وأنّ لها استراتيجيات أمن قومي، أمّا العرب فهم قوم موزّعون على اثنتين وعشرين دولة وكلّ واحدة منها تدّعي أنّ لها أمنها الوطني وانّ لها سياسات أمنية خاصّة أدخلتها في صراعات المحاور الدولية في زمن الحروب الباردة ثمّ أدخلت تلك السياسات الخاصة معظم الدول العربية في استراتيجيات الأمن الأمريكي/ الصهيوني.
الدولة القطرية واقع قائم هذا صحيح والصحيح كذلك أنّها دولة ضعيفة مستلبة الارادة والسيادة، وهي تعيش على وهم التحالف مع الولايات المتّحدة الأمريكية من دون أن تدرك أنّ وزنها في أمريكا هو لا شيء بالنسبة الى وزن الدولة العبرية ومن دون أن تعي أنّ ثمّة فارقا بين التحالف والارتهان أو التبعية..
- دولة الكيان الصهيوني هي في صراع وجودي في منطقة هي أساسا ليست منها بل زرع غريب فيها، لذلك لا همّ عند حكام هذا الكيان منذ انشائه حتى اليوم سوى الانتصار على رافضي وجوده وحماية أمنه القومي من أيّ فعل تحريري مقاوم شبيه بما قام به حزب الله في ايار 2000 وتموز2006 أو من أيّ حرب تحريرية شبيهة بحرب تشرين 1973.
أمّا الدولة القطرية فهي في صراع وجودي مع حلم الدولة القومية والحالمين بها والمناضلين من أجل قيامها، لذلك لا همّ لدى حكّامها سوى كسر الحلم واحباط الحالمين بالوحدة والمناضلين في سبيل انجازها وحماية أمن النظام من تهديدات "الأنظمة الأخوية" ومن أفعال المقاومات ومغامراتها "غير المحسوبة". الأمن الوطني كما القومي لا شأن له بأمن الحكّام والأنظمة.. له علاقة فقط بالتحدّي الأمني الصهيوني وحتميات المواجهة ومستلزماتها..
ب- الاقتصاد القومي العربي:
الاقتصاد مدخل الى الوحدة.. التكتّلات الاقتصادية الكبرى تفضي الى الوحدات السياسية الكبرى، فالسياسة هي فنّ ادارة المصالح المادية المشتركة بين المجموعات البشرية. المحتوى الاقتصادي لأيّ وحدة هو قياس مدى صلابتها وقدرتها على الاستمرار والمواجهة في عالم يتّجه الى تشكيل قيادة اقتصادية واحدة أطرافها الشركات عابرة القارات ذات الرؤوس المالية المتعدّدة.
المحتوى الديني/ المعنوي ثمّ المحتوى الايديولوجي قدّم للوحدة العربية فرص نجاح وتحقّق واستمرار لكنّها فشلت لافتقارها الى المحتوى الاقتصادي. الشراكة في الدين وفي الايديولوجيا بدون الشراكة المبنية على المصالح المادية المشتركة قاصرة عن بناء وحدة سياسية متماسكة.
من أسباب فشل الوحدة العربية تقديم المحتوى المعنوي فيها على المحتوى المادي ما يوجب اعادة النظر في المقاربة التقليدية لمسألة الوحدة في ضوء مجموعة أفكار مستلّة من واقع الوحدات القائمة في العالم خصوصا الوحدة الأوروبية قد تؤسّس لأيّ مقاربة مستقبلية:
- ما لم تكن الأفكار ومناهج التطبيق واقعية وعملية تنعدم فاعليتها في بلوغ الأهداف المرسومة. السوق العربية المشتركة، الوحدة الجمركية، الوحدة النقدية، تسهيل عبور حركة الرساميل والبضائع واليد العاملة، مناطق التجارة الحرّة، التنمية القطاعية الشاملة والمتكاملة عناوين مقروءة في مقررات القمم العربية منذ انشاء جامعة الدول العربية. لماذا فشلت هذه العناوين الوحدوية الواقعية والعملية؟
السبب الرئيس واضح وبسيط، خوف الحكام على مصير الدولة القطرية. ما دام واقع التجزئة ينهش الاقتصاد القومي العربي فلا سبيل الى تحريره من قبضة المشاريع الأجنبية ومن طموحات الحرّاس المحلّيّين لهذه المشاريع المستفيدين من نهب الأجانب للثروات القومية.
- انّ شعار "ثروات العرب للعرب" حين يأخذ طريقه الى التنفيذ تتوافر أدوات المواجهة للمشروع الصهيوني الطامع في الأرض وفي المياه وفي الثروة النفطية. انّ هذا الشعار حين يوظّف في الصراع العربي الصهيوني تتبدّل المعطيات والنتائج عمّا هي عليه اليوم وذلك لصالح فلسطين والأمّة..
- الوحدة الاقتصادية هي السلاح الأمضى في مواجهة المشروع الصهيوني. لقد واجهه العرب افتراضيا بالوحدة الجغرافية والتاريخية والثقافية والدينية أي بقدرات الأمّة المعنوية ولم يرعبوه. انتصروا عليه بوحدة السلاح وسلاح النفط مرّة واحدة وكانت المرّة الأخيرة ومنذ ذلك التاريخ حتى الساعة مازالت الثروات العربية قيد الاحتلال والنهب والمصادرة. لقد بات واضحا أنّ أولياء المشروع الصهيوني في الغرب يضعون في رأس المخطّط التنفيذي التحكّم بقدرات العرب المادية.
- الوحدة الاقتصادية توفّر للمدّ القومي شرايين التواصل فينمو ويشتدّ وتتّسع له أرجاء الوطن العربي فيتكوّن كتلة تاريخية تلتقي فيها الأحزاب والتيارات والشخصيات والقوى القومية كافة لبلورة مشروع نهوض قومي عربي قادر على التصدّي للمشروع الصهيوني بأشكال ومحتويات نضالية وحدوية ملائمة.
ج- العلم والتكنولوجيا:
التأخّر العربي العام في المعارف والعلوم والتكنولوجيا الحديثة هو من نتائج أفكار ومسبقات ومطلقات وعقائديات وطقوس وممنوعات ويقينيات وخصوصيات ضيّقة ومتعسّفة ومبرمة حيث تشكّلت مجموعة مفاعيل نابذة للحداثة ما لم تكن خاضعة للأصول المعرفية الغيبية الحاكمة.
حداثة الغرب مدّت العقل الاسرائيلي بعناصر التفوّق على العقل العربي في مجال العلوم والتكنولوجيا. صورة الغرب النمطية المرتسمة في الذهن العربي كان لها الأثر السلبي في تحديث الحياة العربية وعقلنتها وفي التأسيس المعرفي الصحيح بالغرب وانجازاته.
لم تتمكّن أوروبا من تحقيق وحدتها الاّ بعد أن أتمّت ثورتها العقلية واستبدلت المعطى الديني بالمعطى العلمي التكنولوجي في التأسيس المعرفي للعصر الأوروبي الجديد وانتقلت من سنّة الاجتماع على الدين الذي أغرقها في حروب المئة عام والتخلّف الى سنّة الاجتماع على العقل والعمران ما يوجب اعادة النظر في المقاربة التقليدية للعلم والتكنولوجيا في ضوء مجموعة أفكار مستلّة ممّا هو قائم في عالم اليوم، خصوصا في مجال الاتصالات والمعلوماتية، قد تؤسّس لأيّ مقاربة مستقبلية:
- الوحدة هي حالة عقلية قبل أن تكون حالة شعورية أو وجدانية. العقل يوجّه الارادة العامة في التشكّل السياسي وهو الذي يبني الوحدة القومية الحديثة بما يحقّق من انجازات علمية.
- المنجز العلمي الغربي الرافد للعقل الصهيوني ليس محظورا على العقل العربي، والتعاون العلمي مع الغرب مجال مفتوح أمام العقول العربية، فأين الخلل؟ انّه في الصورة النمطية المتشكّلة في الذهن العربي جراء مسار تاريخي من العداوات المتبادلة. وعندما يبدأ العقل العربي بالعمل تتلاشى تلك الصورة فتكون له القدرة على تمثّل النموذج الأوروبي في انجاز الوحدة وفي تتبّع مسار الوحدة الأوروبية منذ بداياتها حتى النهايات فضلا" عن مقدّماتها والمترافقات.
- تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية اجتاحت كلّ الحدود وحوّلت الكون الى قرية وأشعرت الانسان ببعده الكوني وأخرجته من مآويه المعرفية الضيّقة. ألا يجدر بأيّ تصوّر وحدوي عربي أن يبنى على المعطى المعلوماتي فيرسم للعرب طريق العبور الى الوحدة بالابتعاد عمّا يسمّيه نديم البيطار "الفكر الوحدوي المحض تبشيري"؟
- أنظمة السلاح العربي تديرها العقول الأجنبية وهي التي تحدّد كفاءة هذا السلاح ووجهة استعماله. فكيف للعرب أن يواجهوا به سلاح اسرائيل الذي تدير أنظمته العقول الاسرائيلية. العقل الاسرائيلي مستجمع وفي خدمة قرار استراتيجي واحد. العقل العربي موزّع وقدراته مشتّتة بعضه مهجّر وبعضه مكبّل وبعضه مهمّش.
استجماع العقول العربية واسترجاعها واطلاق فاعليتها وتوطين معارفها وتطوير قدراتها ووضعها في خدمة قرار استراتيجي واحد تجعل المواجهة بين العقل العربي والعقل الاسرائيلي متكافئة.
- من الحقائق والوقائع الجديدة التي تفرض تصورات جديدة للوحدة العربية دور البحوث العلمية في أساليب التفكير وفي تحسين نوعية الحياة وفي التنمية القومية الشاملة. فالتنمية تعتمد اليوم على العلوم والتكنولوجيا. "القوّة الحقيقية بل وحتى القوّة العسكرية لم تعد توجد في المعسكرات بل في حرم الجامعة"، هذا ما يقوله شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد".
من أسباب الحرب على العراق امتلاكه كفاءات علمية عالية أسهمت في تطوير ترسانته العسكرية ومن نتائجها تدمير هذه الثروة العلمية بالاغتيال والتشريد. موارد العرب مستنزفة واستنزافها يضيّع عليهم فرص التقدّم في مجال البحث العلمي عبر انشاء المراكز المتخصّصة بالشؤون القومية على أن يتوافر لها الدعم المالي المطلوب من صندوق قومي مخصّص لهذا الغرض.
الدول المتقدّمة في مجال البحوث تنفق على مراكزها ما يتراوح بين 3% و5% من دخلها القومي في حين أنّ الدول العربية مجتمعة لا تنفق على مراكز البحوث سوى 0.003 % من دخلها القومي؛ مع الاشارة الى أنّ معظم هذه المراكز محدودة القدرات وبعيدة عن مسائل التنمية القومية الشاملة.
يعمل في الكيان الصهيوني ما يزيد عن خمسين مركز بحث تتوافر فيها الشروط والمعايير الدولية يحرّكها سؤال استراتيجي واحد: كيف نجعل اسرائيل قوّة اقليمية بلا منازع؟ فاين هو السؤال المركزي الذي يحرّك مراكز البحوث في الوطن العربي؟! ألا يدفعنا هذا السؤال الى اعادة التفكير في صياغة تصوّرات جديدة لوحدتنا القومية؟
- لقد انقسم العالم على مدى خمسين عاما انقساما "ايديولوجيا" بين الماركسية والليبرالية، بين الرأسمالية والاشتراكية. أما اليوم فهو منقسم بين متقدّم في العلم والتكنولوجيا وبين متأخّر عنهما.. بين عالم وجاهل.. بين سريع وبطيء.. وبهذا الانقسام حلّت التكنولوجيا محلّ الايديولوجيا.
وعليه، فإنّ المشروع الصهيوني يواجه موضوعيا وعمليا بالتقدّم العلمي والتكنولوجي. وهذا هو المضمون الواقعي والمستقبلي لفكرة الوحدة العربية. المواجهة تحسم في جامعات العلوم والتكنولوجيا ومراكزها البحثية. انّ جامعة عربية واحدة لكلّ العرب بمواصفات ومعايير دولية قادرة وحدها على احداث التوازن مع اسرائيل في مجال التقدّم العلمي والتكنولوجي والاستغلال الأمثل للمعرفة. يقول شيمون بيريز: "سيكون موقع الصدارة، بل والهيمنة، للمبادئ القائمة على العلوم والمعرفة التي يتمّ احرازها في الجامعات ومعاهد البحوث.."
د- الحقّ والقانون:
- العجز العربي العام عن بناء دولة الحقّ واقامة حكم القانون رسّخ دولة الحاكم الفرد وحكّم قانونه.
- ديموقراطية المجتمع
الصهيوني لا تواجه ب"ديكتاتورية الحاكم العربي".
- الحقّ في المشاركة السياسية وفي التنمية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وفي تحديد الخيارات الوطنية والقومية تكفله دولة الحق.
- المواجهات التاريخية بين الشعوب تحسمها أهلية المواطن/الفرد وكفاءته في ممارسة حقوق المواطنة كاملة بحماية دولة الحقّ وحكم القانون.
- فاعلية الشعوب تقاس في الصراعات الوجودية المديدة في الزمن بتمكين المواطن من المشاركة في خوض الصراع.
- المشروع الصهيوني في التفوّق لبسط الهيمنة لا يواجه بفرد عربي كسيح البنية الفكرية والحقوقية ومتخلّف اجتماعيا "ومدجّن سياسيا" ومحبط نفسيا ومحروم من أبسط مقوّمات العيش الكريم..
- دولة الحقّ والقانون تتّسع لجميع مواطنيها بدون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الاجتماعي. والجميع فيها متساوون في الحقوق وفي الواجبات. وعليه فإنّ المشروع الصهيوني لا يواجه بدولة قائمة على التمييز بين مواطنيها ومكوّنات مجتمعها. فالتمييز خصوصا، متى كان بين المكوّنات، يسمح للمشروع الصهيوني بأن يعبر الى المكوّن المهمّش ويقدّم اليه نفسه مشروع تعامل وانقاذ.
- سيادة القانون هي سيادة الارادة العامة التي تستند اليها الدولة الديموقراطية وهي تعني أنّ جميع المواطنين بمن فيهم الحكّام يخضعون لهذه السيادة التي يطبّقها ويحميها قضاء كفء عادل نزيه وفعّال ومستقل. فسيادة القانون التي يخضع لها رئيس حكومة الكيان السابق أولمرت لا تواجه بقوانين لا سيادة لها على الحاكم العربي فتجعله فوق المحاسبة والمساءلة.
- دولة الحقّ وحكم القانون مصطلحان حديثا النشأة في الفكر السياسي العربي وهما في طور التكوين والبلورة. كل كلام وحدوي يتوخّى بناء الدولة، سواء كانت قطرية أو قومية، يبقى خارج الفقه الدستوري الحديث وخارج الفاعلية التاريخية لمواجهة المشروع الصهيوني ما لم تشكّل دولة الحقّ "كلامه الجوهري"..
ظروف تحقيق الوحدة:
انجاز مشروع الوحدة العربية المواجه للمشروع الصهيوني بعناصره التكوينية، الأمن والاقتصاد والعلم والتكنولوجيا والحق والقانون، يستلزم ظروفا ذاتية وأخرى موضوعية مواتية، منها ما هو متعلّق بالواقع العربي ومنها ما هو متعلّق بالواقع الاقليمي/الدولي.
ما هو ذاتي يمكن اختصاره في ثلاثة عناوين غير مواتية:
-1 الصراع بين القومي والقطري: الكيانات القطرية تقاوم الوحدة وتتحكّم بها مصالح الفئات الحاكمة وايديولوجيات ضيّقة وانعزالية ومفاهيم ما قبل القومية ونزعات المحافظة على الخصوصيات المحلية، فضلا عن العصبيات العرقية والطائفية واشتداد عصب الحركات المطالبة بالحكم الذاتي في الحدّ الأدنى وبالانفصال في الحدّ الأقصى "السودان ، اليمن، العراق، الصومال" ما يهدّد مصير الدولة القطرية بانهيار السلطات المركزية وتفكّكها. هنا ديناميكية الوقائع تتغلّب على ديناميكية الارادات في الصراع بين القومي والقطري. في أيّ حال الدول القطرية منفردة ومجتمعة لم تتمكّن من مواجهة المشروع الصهيوني.
2- تنامي الاسلام السياسي: الأصولية الدينية بات لها منذ سبعينات القرن الماضي تأثير مهم في توجيه الارادة العامة في معظم الدول القطرية ما أثار اشكالية العلاقة بين الفكر الديني والفكر السياسي وبين الاسلام والعروبة. وهذا ما أعطى للتساؤل الآتي مشروعيته الأكاديمية: ما مدى تأثير حركات الاسلام السياسي في الاتجاه القومي الوحدوي وما حجم هذا التأثير؟ أسلبي هو أم ايجابي؟ هل هو البديل عن الحركة القومية أو هو رافدها بحيوية مضافة؟ هل دولة دينية ما ممكنة التحقٌق في الوطن العربي أكثرممّا كان ليكون ممكنا تحقّق دولة قومية؟.. في أيّ حال ليس من صالح العرب لاعتبارات موضوعية الدخول في مواجهة دينية مع الكيان الصهيوني.
3- تعثّر الحركة القومية: من أسباب هذا التعثّر عدم انضاج فعلي لشروط تحقّق الوحدة، القول بالقومية وعدم ممارسة الفعل القومي، خلافات داخل صفوف الحركة وتضارب مصالح وتشعّب ارتباطات، قيادات وأحزاب قومية لم تجدّد نفسها، الفشل في اقامة دولة الوحدة، عدم التمكّن من تقديم نظرية واضحة في القومية العربية، انتكاسة الانفصال بين سوريا ومصر، فشل صيغة الوحدة التكاملية التي أعلنها ميثاق 17 نيسان 1963 بين مصر وسوريا والعراق، فشل صيغة اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا، عدم التمكّن من وضع استراتيجية موحّدة لمواجهة المشروع الصهيوني، نكسة الخامس من حزيران 1967، الهزيمة السياسية بعد انتصار تشرين 1973 التي تجسّدت لاحقا باتفاقات كامب ديفيد التي تعدّ أهمّ انتصار للمشروع الصهيوني "اخراج مصر من جبهة المواجهة العسكرية وتكريس مسار التسويات المنفردة"، الدخول في "عصر التسوية" من بوابة مدريد، اجتياح الكويت بأوامر قيادة كانت طرفا أساسيا في الحركة القومية، عدم انجاز اصلاحات سياسية ديموقراطية داخل بعض الأنظمة التي قامت بفضل مناضلي الحركة القومية...
في أيّ حال، وبالرغم من امكان مدّها بالحيوية اللازمة لتعزيز دورها في مواجهة المشروع الصهيوني فالقومية العربية كفكرة وانتماء وهوية هي حقيقة تاريخية ثابتة قد تضعفها الأفكار والحركات المافوق قومية أو المادون قومية ولكنّها لا تستطيع أن تلغيها، أمّا كحركة سياسية فأمامها الكثير من التحديات أوّلها وأهمّها اعادة التكوين الذاتي.
ما هو موضوعي يمكن اختصاره بالعناوين الآتية، وهي بدورها غير مساعدة لانجاز مشروع الوحدة العربية المواجه للمشروع الصهيوني:
- الدعم الدولي لدولة الكيان: أظهرت الوقائع أن دولة الكيان تلقى دعما "دوليا" غير محدود. الشرق/أوسطية، الشرق الأوسط الجديد، الشرق الأوسط الكبير، المتوسّطية، الاتّحاد من أجل المتوسّط، الشراكة الأورومتوسّطية، محور الاعتدال العربي، كلّها مشاريع لدعم الكيان الصهيوني وتفكيك كلّ ما هو عربي وحدوي أو قومي والحؤول دون تحقيق وحدة الموقف العربي بحدوده الدنيا.
فكيف بالوحدة القومية الشاملة المعبّر عنها بدولة الوحدة او بدولة عربية اتّحادية؟! تعثّرت هذه المشاريع. هذا صحيح. والصحيح كذلك أنّ مشروع النهوض القومي العربي لم يتقدّم.
- بقاء الوطن العربي في دائرة الاستهداف الأمريكي/الصهيوني: الاحتلال العسكري المباشر، احتلال الأنظمة والحكومات المنخرطة في السلم الاسرائيلي سياسيا، وثقافيا وأمنيا واقتصاديا، توظيف مسألة الأقليات واثارة النزاعات الأهلية، المتاجرة بالديموقراطيات والحريات وحقوق الانسان، كلّها وقائع وعناوين تضرب في أساسيات المشروع الوحدوي القومي العربي.
- بروز ايران قوّة اقليمية ساعية الى تعزيز نفوذها في المنطقة وتوجّه تركي لاستعادة دورمفقود فيها: يقابل ذلك تخبّط عربي وارتباك ملحوظ لا بل خلاف واضح بين الدول العربية حول كيفية التعامل مع دولتين جارتين تجمعها بهما دائرة حضارية واحدة ومصالح حيوية مشتركة وتتقاسم معهما تاريخا طويلا من التفاعل الايجابي في فترات والتفاعل السّلبي في فترات أخرى.
- افتقار العالم الى ميزان قوى جديد يحدّ من النزعة الإمبراطورية للولايات المتّحدة الأمريكية ويمنع تمدّدها احتلالا لمزيد من المناطق خصوصا في الوطن العربي.
امكان انتصار العروبة على الصهيونية ليس وهما أو مكابرة من دون اسناد. المقاومة في فلسطين، المقاومة في لبنان، المقاومة في العراق، هذه المقاومات التي قال الرئيس بشار الأسد أنّ دعمها هو وسام على صدر سوريا هي علامات الضوء في مسيرة النضال العربي في اتجاه التحرير والوحدة والثبات في الهوية القومية. انّها من حقائق التاريخ والمرحلة، وهي التي تعيد العرب الى التاريخ بعد أن اعتقد أعداؤهم أنّهم أصبحوا خارجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.